Al Jazirah NewsPaper Wednesday  07/04/2010 G Issue 13705
الاربعاء 22 ربيع الثاني 1431   العدد  13705
 
مدينة سدير للصناعة.. الرافد الجديد للتنمية
اكتمال تطوير مدينة سدير يتيح مزايا استراتيجية لمدينة الرياض

 

تأخذ المملكة منذ بداية السبعينيات بفلسفة تطوير مدن ومناطق عمرانية جديدة.. وقد قامت هذه الفلسفة على بناء مدن صناعية جديدة، ابتدأتها فعليا وبشكل واسع في عام 1974 بمدينتي الجبيل وينبع، تلاهما العديد من المدن الصناعية، حتى وصل عددها إلى نحو (14) مدينة صناعية حاليا حتى نهاية عام 2008، تشرف على هذه المدن هيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية.. ثم جاءت المرحلة الثانية لتطور هذه الفلسفة بإطلاق أربع مدن جديدة، أي وصل عدد المدن الصناعية إلى (18) مدينة. وبالتوازي سارت هيئة المدن الصناعية في إطلاق نوع جديد من المدن تعرف بالمدن الصناعية الخاصة، حيث تم بدء تطوير (5) مدن خاصة، وأخيرا هذا العام بدأ تطوير مدينة سدير للصناعة. وبجانب هذا المسار سارت الهيئة العامة للاستثمار في طريق مواز لإطلاق مدن اقتصادية جديدة، بدأت بخمس مدن جديدة. نسعى في هذا التقرير لرصد آفاق هذه المدن وما وصلت إليه، وكيف يمكن أن تساعد في إحداث التنويع الاقتصادي المأمول.

المدن الصناعية.. ضرورة ملحة

في الماضي والحاضر

«الصناعة خيارنا في تنويع مصادر الدخل» بهذه المقولة حدد خادم الحرمين الشريفين الملامح الاستراتيجية للاقتصاد الوطني عموما.. وبوجه عام فقد جاء تطوُّر المدن السعودية في الماضي حسب ضرورات ملحة سواء من حيث استهداف توطين أبناء البادية، أو تلبية الاحتياج السكني لموظفي أرامكو، أو تنويع القاعدة الاقتصادية الوطنية عند بناء الجبيل وينبع..

تطورات السياسة الحكومية الاستثمارية في إنشاء المدن الجديدة

لقد مرت الحكومة في تطويرها للمدن الجديدة بأربع مراحل متوالية، تمثل تباينا في الفكر والمنهج الرسمي، على النحو الآتي:

(1) المرحلة الأولى: الاستثمار الحكومي الكامل: وهي المرحلة التي تولت فيها الحكومة بدءا من السبعينيات مرحلة الريادة في القيام بضخ استثمارات مباشرة لبناء وتشييد المدن والمصانع فيها.. واعتمدت في هذه المرحلة على تشييد المرافق الصناعية الكبرى، التي جاءت أشبه بالبنية التحتية الصناعية منها مجرد استثمارات عادية.

(2) المرحلة الثانية: الشراكة بين القطاعين الحكومي والقطاع الخاص (المدن الصناعية الحكومية): وهي المرحلة التي بدأت منذ بداية الثمانينيات تقريبا، حيث بدأ القطاع الخاص يشارك بشكل فعّال في الاستثمارات الصناعية، مع نشأة المدن الصناعية الجديدة.

(3) المرحلة الثالثة: المدن الصناعية الخاصة: وفيها امتلك القطاع الخاص زمام المبادرة الاستثمارية بالكامل.

(4) المرحلة الرابعة: إشراك الاستثمار الأجنبي (المدن الاقتصادية الجديدة): وبدأت هذه المرحلة بقوة خلال السنوات العشر الأخيرة، عندما بدأ الاستثمار الأجنبي يلعب دورا فاعلا في بعض الصناعات. وإذا كانت السياسة الحكومية تجذب فقط الاستثمار الأجنبي في مرحلة ما قبل 2007 فإنها بعد إطلاق المدن الاقتصادية الجديدة أصبحت تعتمد - ولو جزئيا - على الاستثمار الأجنبي ليقود تطوير العديد من المدن الاقتصادية الجديدة.

ويوجد مجال للشبه بين إدارة وتشغيل المدن الصناعية الخاصة والمدن الاقتصادية (رغم وجود اختلافات) فيما يخص التمويل، وذلك على النحو الآتي:

القطاع الحكومي: يقوم بأدوار المنظم والميسر Facilitator والمروج Promoter

القطاع الخاص: يقوم بأدوار موفر رأس المال ومالك الأرض والمطور Developer

المدن الصناعية الحكومية

هل المصانع السعودية كافة توجد في مدن صناعية؟ بالطبع الإجابة بالنفي؛ حيث توجد هناك الكثير من المصانع التي تقع داخل نطاق المدن العمرانية وخارج المدن الصناعية.. إلا أن المدن الصناعية تعتبر مسؤولة عن النسبة الكبرى من المصانع السعودية، وبخاصة في ظل سياسة وزارة الشؤون البلدية لبناء وتأسيس المصانع التي تخرج عوادم أو نفايات داخل حيز المدن الصناعية فقط. وتشير الإحصاءات المتاحة حتى نهاية عام 2008 حول المدن الصناعية الحكومية إلى أن عدد هذه المدن وصل إلى نحو (17) مدينة يعمل بها نحو (1700) مصنع، فضلا عن نحو (200) مصنع تحت الإنشاء. وفي ظل معرفة أن إجمالي عدد المصانع العاملة والقائمة بالمملكة وصل حتى نهاية عام 2008م إلى نحو (4167) مصنعا يتضح أن المدن الصناعية تساهم وحدها بنسبة 40.8 % في إجمالي عدد المصانع القائمة بالمملكة. وقد وصل إجمالي مساحة هذه المدن إلى نحو 90 مليون متر مربع، ووصل حجم المطور منها إلى 69 مليون متر مربع. وحسب بيانات عام 1427هـ فقد وصل إجمالي حجم الاستثمار في المدن الصناعية الـ(13) الأولى إلى ما يناهز 294 مليار ريال. ويعمل في هذه المصانع نحو 300 ألف عامل. هذا، وينبغي التنويه إلى وجود اختلافات كبيرة بين البيانات والإحصاءات المنشورة فيما يخص المدن الصناعية.

المدن الصناعية الخاصة: لقد تم الترخيص للقطاع الخاص بإنشاء خمس مدن صناعية خاصة بمساحة إجمالي تصل إلى نحو 4.3 مليون متر مربع.

مدينة سدير.. نمط صناعي جديد

في تصريح للمدير العام لهيئة المدن الصناعية أشار إلى أن مدينة سدير تتميز بضخامة حجمها؛ فمساحتها تبلغ 257 مليون متر بطول 31 كلم على طريق الرياض القصيم، من مخرج عشيرة حتى مخرج جلاجل، وتمر بها خطوط البترول وخطوط تحلية المياه، وسيمر بها مسار سكة الحديد، كما سيكون فيها محطة شحن وتفريغ أو ميناء جاف، ويوجد بها محطة لتحويل الكهرباء، إضافة إلى أن أرضها مستوية جدا وتبعد عن حدود مدينة الرياض ما يقرب من 120 كيلو متراً؛ لذا فيعتبر موقع المدينة متميزا.

الموقع التنافسي لمدينة سدير

من ناحية أخرى يمكن أن تكون سدير منطقة تركز صناعي جديد، وقد تتفوق على المدن الصناعية القائمة، وبخاصة في ظل حداثة بنيتها، وبنائها على أحدث طراز، فضلا عن أن قربها من مدن رئيسية (الرياض والقصيم) سيتيح لها الدعم اللوجستي المطلوب للانطلاق بسهولة؛ فهي لا تقع في منطقة نائية أو منطقة فقيرة، مثل بعض المدن الصناعية الأخرى، بل تحتل منطقة مدينة سدير مكانة الصدارة بوصفها مركز توزيع وتسويق يقع في وسط المملكة، فضلا عن أن إنشاء محطة شحن وتفريغ أو ميناء جاف بها سيزيد من المزايا التنافسية لها عن بقية المدن الصناعية الأخرى، أي أن مدينة سدير تتصف بمزايا تنافسية عن بقية المدن الصناعية الأخرى.

المزايا الاستراتيجية التي تقدمها مدينة سدير لمدينة الرياض؟

لا يخفى على أحد مدى الاتساع العمراني والجغرافي الذي أحرزته مدينة الرياض خلال السنوات الأخيرة، ورغم أن هذا الاتساع أدى إلى إحراز مزايا اقتصادية وتنافسية عديدة لمدينة الرياض إلا أنه في الوقت نفسه بدأت تظهر ملامح لبعض المشكلات، من أهمها الازدحام المروري، والتكدس السكاني نتيجة تحول مدينة الرياض إلى مدينة جاذبة بقوة للسكان من المدن والمناطق الأخرى كافة، وبخاصة في ظل توافر فرص العمل، وتركز الجامعات والمستشفيات والمرافق الكبرى بها. وقد تسبب ذلك في وجود ضغوط كبيرة على البنية التحتية للمدينة.. لكل ذلك فإن التوجهات تسير الآن في إيجاد روافد عمرانية وحضرية جاذبة للسكان في المناطق المحيطة والقريبة لتخفيف الضغوط على مدينة الرياض. ونظرا لقرب مدينة سدير من مدينة الرياض فإنها يمكن أن تمثل الرافد الأول لتخفيف ضغوط الهجرة إلى مدينة الرياض، فضلا عن تخفيف الضغط على بنية مدينة الرياض، وبخاصة إذا نجحت سدير في التحوُّل إلى مدينة أعمال كبرى.

المدن الصناعية في مقابل

المدن الاقتصادية

أولا: قد يكون هناك مزايا من وجود انفصال بين إدارة المدن الصناعية عن المدن الاقتصادية الجديدة، ولكن من جانب آخر قد يكون هناك تداخل أو ازدواجية؛ لذلك فهناك حاجة لوجود تنسيق بين إدارات وتشغيل هذه المدن كافة؛ لأنها في نهاية الأمر كلها مدن صناعية وكلها مدن سعودية.

ثانيا: أنه ترتيبا على النقطة السابقة لقد تولد بعض الاعتقاد لدى بعض المستثمرين بأن المدن الاقتصادية إنما هي مدن للمستثمرين الأجانب فقط، وبخاصة أن من يشرف عليها هو الهيئة العامة للاستثمار، في حين أن المدن الصناعية هي التي تشرف عليها هيئة المدن الصناعية، وهذا غير صحيح، ولا يمكن أن يُقبل، وبخاصة في ظل معرفة أن المدن الاقتصادية الجديدة تمتلك مزايا وسمات تفوق تلك المتاحة في المدن الصناعية الأخرى، وبالطبع لا يعقل أن تقدم هذه المزايا للأجانب فقط أو حتى أولا.

ثالثا: أنه يخشى من أن تقوم المزايا الجديدة المتاحة بالمدن الصناعية الجديدة أو بالمدن الاقتصادية باجتذاب رؤوس الأموال القائمة (العاملة) فعليا في المدن الصناعية الحالية بدلا من أن تجتذب رؤوس أموال جديدة، وفي اعتقادي أن هذا الأمر يتطلب بعض الحذر والتنسيق بين الهيئة العامة للاستثمار وهيئة المدن الصناعية، وبخاصة أن بعض إدارات المدن الجديدة تركز على تقديم محفزات أعلى من تلك المتاحة بالمدن الصناعية القديمة.. بل إن تهالك بعض البنيات التحتية بالمدن الصناعية القديمة ربما يكون دافعا لانتقال الصناعيين من القديمة إلى الجديدة، وهذه العملية في حد ذاتها لا تحقق القيمة المضافة الصناعية المأمولة.

في النهاية، ومهما كانت نتائج التطوير، فإن كل مدينة جديدة تقدم حلولا للعديد من المشكلات بالاقتصاد الوطني، من أهمها تخفيف التركز السكاني والضغط على مرافق البنية، فضلا عن المساعدة في حلحلة مشكلة العجز المتنامي في عرض الوحدات الإسكانية، أيضا يساعد على تخفيف التركُّز الاقتصادي الإقليمي وتحقيق التقارب بين معدلات التنمية بين المناطق، وإتاحة فرص توظف جديدة.. وفوق كل هذا فإن كل تركز صناعي جديد يقرب المملكة أكثر من تحقيق التنويع الاقتصادي المنشود والخروج من شرنقة المورد الوحيد؛ وبالتالي يساعد على مزيد من التنمية الاقتصادية المستدامة.

د. حسن أمين الشقطي- محلل اقتصادي


Hassan14369@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد