تظل انعكاسات تعاطي التبغ أكبر خطر يهدد حياة الناس في القرن الحالي ويظل التبغ أحد أبرز مسببات الوفاة رغم تزايد الكوارث والأمراض القاتلة الغامضة خلال العقود الماضية وتؤكد إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن التدخين سيتسبب في وفاة ما يزيد عن المليار شخص في القرن الحالي حيث تقول المنظمة إن الأشخاص الذين يموتون جرّاء التدخين ومضاعفاته الصحية، خاصةً أمراض القلب والرئة والسرطان في ازدياد مضطرد. وقالت مديرة منظمة الصحة العالمية بأن التدخين سيقتل خلال القرن أكثر من مليار شخص.
وتؤكد المنظمة بأن التدخين ينتشر بين الشباب وصغار السن.
والرقم الذي تتحدث عنه المنظمة «مليار شخص» يساوي 20% من عدد سكان العالم فهل سمعنا أو قرأنا أو اطلعنا على أن أي مرض أو كارثة يمكن أن تحصد هذا الرقم من أرواح بني البشر خلال القرن الـ21.
إن قضية التدخين من أبرز القضايا التي أغفلتها المجتمعات على مر العصور بدليل حجم انتشارها رغم تزايد حجم الدراسات العلمية التي تتحدث عن المخاطر الصحية المترتبة على استخدام التبغ.
وعلى المستوى المحلي تعتبر بلادنا -حفظ الله أبناءها وشبابها من هذه الآفة القاتلة- أحد أبرز الأسواق المستهدفة لشركات التبغ في المنطقة من خلال حملاتها الترويجية المحكمة لاصطياد النشء والأحداث، ومن المؤسف أن الجهود المناهضة لمخططات شركات التبغ تعد محدودة وضعيفة مقارنة بالآلة الإعلامية والتسويقية التي يملكها منتجو ومصنعو التبغ.
فإذا نظرنا لجهود وزارة الصحة المتمثلة في برنامج مكافحة التدخين فنجدها لا بأس بها، ولكن تظل محدودة جداً إذا ما قارناها بإمكانيات شركات التبغ ومخصصاتها المالية الضخمة لتهيئة الأسواق والمجتمعات لكي تقبل منتجاتها كما أن جهود الجمعيات الخيرية والجهات المكافحة تظل أيضا محدودة ورهينة بحجم الدعم الذي تقدمه المؤسسات الخيرية والشركات ورجال الأعمال.
الراجحي أنموذج مشرق
كما أشرت فإن ضعف جهود المكافحة يحتاج لوقفة صلبة من المؤسسات والشركات ورجال الأعمال لأن المجتمع الذي هو بحاجة للحماية من هذه الآفة هو ذاته المجتمع الذي يعود بالربح الوفير لتلك الشركات من خلال استهلاكه لمنتجاتها وبالتالي تصبح هذه المؤسسات مدينة للمجتمع كما أن المؤسسات نفسها بحاجة لكسب ود المجتمع والمستهلك من خلال مساهماتها في دعم المشروعات الخيرية وفعاليتها في برامج خدمة المجتمع أما الجهات الخيرية المستقلة فهي لا تنتظر مردوداً لما تقدمه للمجتمع وأفراده وإنما تحتسب الأجر والمثوبة من عند الله سبحانه وتعالى فهي ليست شركات منتجة حتى تبحث عن دور لها في خدمة المجتمع انتظارا لردة فعل إيجابية تجاه منتجاتها، وأمثال هذه المؤسسات توجد لدينا في المملكة وتمارس عملها الخيري بشكل جيد، الأمر الذي جعلها محبوبة لدى المجتمع وينظر لها الناس بعين الرضا.
وتعد مؤسسة سليمان بن عبدالعزيز الراجحي الخيرية نموذجا حيا في دعم جهود مكافحة التدخين على مستوى المملكة بل وعلى مستوى الدول الإسلامية والعربية من خلال رعايتها لأحد أبرز مشاريع مكافحة التدخين على مستوى المنطقة وهو مشروع «الرياض بلا تدخين» الذي أطلقته الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين»نقاء» قبل أربع سنوات وتبنته مؤسسة الراجحي، وما يحمد للراجحي أنها ظلت حريصة على نجاح المشروع من خلال متابعتها المستمرة لكل خطواته ومستجداته.
وضربت المؤسسة أروع الأمثلة في العمل الخيري والمسؤولية الاجتماعية من خلال تبنيها لهذا المشروع الحيوي والمهم كون التبغ بات أحد أبرز مهددات حياة البشر في القرن الحالي الأمر الذي يجعل التساؤل ملحا عن غياب دور مؤسساتنا وشركاتنا في دعم مثل هذه التوجهات ذات الصلة اللصيقة جدا بصحة المجتمع وسلامته ولا يفوتني أيضا أن أشيد بمؤسسة السبيعي الخيرية وشركة العثيم القابضة لدعمهما برامج المكافحة من خلال تبنيهما فرعين من فروع الجمعية، ولكن يظل السؤال مطروحاً مجددا، أين البقية من دعم مكافحة هذه الآفة؟ التي ألحقت باقتصادنا الوطني ومجتمعنا أضراراً يصعب حصرها وأقول لهم إن المجتمع ينتظركم ويترقب دوركم الملموس في هذا الجانب. (ألا هل بلغت اللهم فاشهد).
* المدير التنفيذي للجمعية الخيرية لمكافحة التدخين