تعد الثورة الصناعية التي انطلقت منذ منتصف القرن التاسع عشر ميلادي وامتدت حتى سقوط جدار برلين عام 1989م السبب الرئيسي في التحولات الاقتصادية في تلك الفترة الزمنية والتي بكل تأكيد أذهلت كل من عاصر بداياتها فلم يستطيعوا أن يتخيلوا آثارها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومتطلبات التعامل معها فكانت أغلب تصرفاتهم ردود أفعال حتى تطورت العلوم الإدارية الحديثة (الإدارة، الاقتصاد، علوم الاجتماع والنفس..إلخ) في رحم هذه الثورة التي وفرت أدوات حديثة لاستشراف المستقبل في ظل متغيرات الماضي ومعطيات الحاضر. لم نكن في رحم تلك الثورة كما هو وضع الكثير من الدول النامية بل كنا على أطرافها، حيث أوجدت هذه الثورة الطلب الكبير على البترول المتوفر في بلادنا كأحد أهم مصادر الطاقة والمواد الأولية اللازمة للصناعة ما حقق لنا إيرادات مالية كبيرة مكنتنا من استيراد معظم منتجات وخدمات وأفكار الثورة الصناعية الغربية ما جعلنا نشهد تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية اعتدنا عليها ولا نريد أن نتراجع عنها إلا أننا قلقون كوننا مستهلكين أكثر منا منتجين من ناحية وكوننا نعيش تحولات اقتصادية جديدة قد لا تكون في صالحنا خصوصا أن التحولات الجديدة تقوم على التطور التكنولوجي المتسارع الذي نسابق الزمن للحاق به كمستهلكين.
ثورة المعلومات أو ثورة المعرفة في ظل النظام العالمي الجديد واتفاقيات منظمة التجارة العالمية وإعادة تقسيم العالم إلى كتل اقتصادية، حيث بتنا نقع في منطقة «الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» ككتلة اقتصادية جديدة كما نسمع من هنا وهناك ونرى ذلك في مسميات المسؤولين في المنظمات الأممية تجعلنا في حيرة من أمرنا كمواطنين من كل مواقعنا كمستثمرين أو مسؤولين في أجهزة حكومية أو منشآت خاصة أو كاباء نريد أن نوجه أبناءنا لما فيه صالحهم مستقبلا بل إننا في حيرة من أمرنا فيما يخص مستقبل بلادنا الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في ظل هذه التحولات الاقتصادية خصوصاً أننا لم نسمع عن رؤية استراتيجية للسعودية عام 2030م (لعشرين سنة قادمة) على أقل تقدير.
السؤال الذي يدور في ذهني وفي ذهن الكثير من المواطنين من الجهة المسؤولة عن تمكيننا من إدراك التحولات الاقتصادية الحالية وانعكاساتها السياسية والاجتماعية والثقافية على بلادنا؟ وما رؤية بلادنا بشأن هذه التحولات؟ وما الدور الذي يمكن أن نقوم به كمواطنين كل من موقعه خصوصاً النخب والمهتمين لتبنى استراتيجيات فعالة في محيطه لاستثمار الفرص المتاحة وتجنب المخاطر المحتملة لصالحه وصالح الوطن بالمحصلة، هل المهمة تقتصر على جهة واحدة مثل وزارة التخطيط والاقتصاد أو مجلس الغرف التجارية والصناعية أو الجامعات؟ أم أنها مهمة كل هؤلاء بقيادة أحدهما؟
ختاماً ما أدركه وبكل وضوح أن عدداً كبيراً من المستثمرين والرؤساء التنفيذيين لا يدركون عمق التحولات الاقتصادية العالمية وانعكاساتها وخططهم وإن ادعى بعضهم بأنها لمدة خمس سنوات قادمة إلا أنهم وفي أحسن الأحوال يعملون بنظرية السيناريو التي تطورت من نظرية التخطيط الاستراتيجي وهي نظرية تقول بضرورة إعداد فريق مؤهل للاستجابة للمتغيرات بسرعة كبيرة وفق رؤية استراتيجية مرنة وهيكل استثماري فعّال وعمليات إدارية حديثة تستخدم أحدث التقنيات وهو وضع وإن كان يحقق بعض النجاحات على المدى القصير إلا أنه بكل تأكيد ليس مريحاً على المستويين المتوسط والبعيد.
***
alakil@hotmail.com