الروح التي سادت مؤتمر فيينا حيث اجتمعت القوى العظمى حتى تحكم العالم فعلياً، لا مكان لها في مجتمعنا الدولي المعاصر، مجموعة العشرين تفتقد الشرعية إلى حد بعيد ولابد أن تتغير.
بالرغم من العجز المالي المتزايد وارتفاع نسب البطالة التي ما زالت متفشية في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء، إلا أن أسوأ مراحل الأزمة الاقتصادية العالمية قد انتهت، الآن، السؤال الملح هو كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يستنبط استراتيجية مناسبة للخروج من مرحلة (الكساد العظيم).
إن حواراً حول هذا الموضوع قد بدأ بالفعل وسوف يستمر على نحو كبير في إطار مجموعة العشرين وقد بلغ ذروته في اجتماعات قمة المجموعة التي عقدت في كندا في شهر يونيو الماضي وفي كوريا الجنوبية في نوفمبر بالرغم من الدور الرائد الذي قامت به مجموعة العشرين فيما يتعلق برد الفعل تجاه الأزمة العالمية، في قطاعاتها المالية والاقتصادية والتنموية، إلا أن مبادرة مجموعة العشرين، باختيار أعضائها دون غيرهم، للاضطلاع بهذا الدور يعد طبقا للقانون الدولي ومبادئ العلاقات المتعددة خطوة كبيرة إلى الوراء في النهج الذي سار عليه التعاون الدولي منذ الحرب العالمية الثانية.
فعلى مدار السنوات القليلة الماضية، قامت مجموعة العشرين سريعا بإقرار وضعيتها كمنتدى أول لاتخاذ القرارات المالية والاقتصادية الدولية، وحلت محل مجموعة السبعة ومجموعة الثمانية، وتقوم باطراد بتهميش المؤسسات الدولية القائمة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة ففي كل اجتماع تعقده مجموعة العشرين، تقوم بتأسيس نفسها بوصفها الكيان الرئيسي للتعاون الدولي والحكم، ويتعدى المغزى السياسي لهذا الأمر، مجرد إنقاذ النظام المالي العالمي والحفاظ عليه.
هذا التطور كان له بالفعل مزاياه، فالتعاون والتنسيق غير المسبوق الذي أتاحته مجموعة العشرين فيما بين القوى القائمة والقوى الناشئة، ساعد على استقرار الاقتصاد العالمي الذي كان مندفعا إلى حافة الهاوية بفعل الأزمة الاقتصادية المستشرية وذلك بفضل تدخلها السريع والمؤثر في الأسواق العالمية.
ولكن الآن وقد بدأت أسوأ مراحل الأزمة في الانحسار يجب أن تواجه مجموعة العشرين التساؤل المطروح حول مشروعيتها وأن تتطور حتى تعكس بصورة أفضل، مصالح الدول التي تتأثر بأفعالها.
بالتأكيد أن مجموعة العشرين تشكل تمثيلا أكبر مما شكلته كيانات مثل مجموعة السبعة ومجموعة الثمانية دول الصناعية الكبرى التي سبقتها، ولكنها تفتقد شرعية تلك الكيانات إلى حد بعيد، فهي ليست كيانا منتخبا ولكنها مجموعة قامت بتعيين ذاتي، وتأسست بدون موافقة الدول الأخرى، هناك العديد من الدول التي لعبت دوراً محورياً في مجال التعاون الدولي في الماضي، من ضمنها النرويج ومجموعة دول شمال أوروبا، تم استبعادها من العضوية المباشرة لمجموعة العشرين بينما الدول ذات الدخل المنخفض ودول القارة الإفريقية تفتقر جميعها تقريبا إلى التمثيل اللازم في تلك المجموعة.
مجموعة السبعة كانت تضم أغنى الاقتصاديات في العالم، إلا أن مجموعة العشرين يفتقر تكوينها إلى هذا الوضوح، هناك دول من غير الأعضاء في المجموعة مثل دول شمال أوروبا، هي بالفعل من كبار المساهمين الماليين في التنمية وفي مؤسسات البروتون وودز وهي دول لها أهمية شاملة أكبر من مجموعة العشرين ويتخطى ناتجها القومي الإجمالي الناتج القومي الإجمالي للعديد من أعضائها.
وكما تبين من رد الفعل تجاه الأزمة المالية، هناك أهمية لوجود منتديات تضم عدداً أصغر من الدول، يمكنها التحرك بسرعة عندما يستلزم الأمر، ولكن في نفس هذا الإطار هناك سبل أبسط لجعل مجموعة العشرين أكثر تمثيلا للعالم الذي تنعكس عليه تأثيراتها.
خطوة أولى وفورية يجب اتخاذها وهي أن تتباحث الدول الأعضاء في مجموعة العشرين والدول غير الأعضاء حول إطار للتفاعل فيما بينها.
وبصورة أساسية، يجب أن يكون هناك نظام من الدوائر الجغرافية بالتوازي مع الخطوط التي نتبعها بالفعل في صندوق النقد الدولي وفي البنك الدولي يتم تشكيلها بحرية وتضم في قلبها الدول الأعضاء في مجموعة العشرين بحيث تمضي قدما في إصلاح الضعف الواضح في النظام الحالي. فعلى سبيل المثال مجموعة دول شمال أوروبا ومجموعة دول البلطيق كانت منذ زمن بعيد ممثلة تمثيلا فعالا في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من خلال دائرة إقليمية تعتبر نموذجا يمكن تكراره بنجاح داخل مجموعة العشرين.
وفي النهاية الاقتصاد العالمي هو بالفعل ما تنص عليه هذه الكلمة: عالمي. نحن نعيش في عالم متشابك مكون للقرارات الاقتصادية التي تتخذها إحدى دوله، تأثير يتخطى حدود هذه الدولة، وآخر مثال على ذلك مشكلة المديونيات التي مرت بها اليونان، التمثيل في داخل مجموعة العشرين سوف يصبح أكثر أهمية بينما تتحرك أجندة هذه المجموعة لتتخطى حدود الهموم الاقتصادية لتشمل أمورا مثل الصحة العامة والتنمية والتغير المناخي وهو أمور لها تبعات اقتصادية وسياسية تتحملها جميع الدول بما في ذلك الدول التي ليس لها حاليا صوت يمثلها حول مائدة مجموعة العشرين.
إن احترام القانون الدولي والشرعية الدولية كأسس للتعاون متعدد الأطراف هو ضرورة لا غنى عنها ويصب في صالح جميع الدول، وهو أيضا تقليد تعتز به النرويج بصفتها أحد أكبر المساهمين في معونات التنمية وفي المنظمات الدولية في كل أنحاء العالم، إن إيماننا بالعلاقات المتعددة ليس عن سذاجة بل أنه ينبع من إيماننا القوي بالمثالية، إيمان اكتسبناه في أعقاب حرب ضروس مزقت العالم تقريبا، إن مؤسسي المؤسسات العظيمة التي نشأت بعد الحرب، أقروا بمميزات العضوية المحدودة ذات الثقل في الكيانات الأكبر ولكنهم أيضا شددوا على أهمية الحصول على موافقة جميع الأطراف القائمة على القانون الدولي، على مثل هذا الإجراء. الآن حان الوقت لتعود عقارب الساعة إلى الوراء.
نحن لم نعد نعيش في القرن التاسع عشر، أن روح مؤتمر فيينا حيث التقت القوى العظمى لتحكم العالم فعليا ليس لها مكان في المجتمع الدولي المعاصر، إذا كان التعاون بين أعضاء مجموعة العشرين سوف ينتج عنه فعلياً قرارات تملى على الأغلبية العظمى من الدول الأخرى، فسوف تجد هذه المجموعة نفسها سريعا في مأزق، إن بيت الحكم الدولي لا يمكنه البقاء متماسكاً لو أنه انقسم على نفسه.
(*) وزير خارجية النرويج