حوادث العنف التي يتعرض لها بعض المعلمين من قبل طلابهم، تدل على وجود خلل ما في العلاقة بين الطالب والمعلم تتطلب دراسة تربوية جادة لهذه الحالة قبل أن تستفحل, آخذه في الاعتبار الوضع التعليمي برمته بدءاً بالوزارة نفسها, ومروراً بإدارة التعليم والمدرسة، وانتهاء بالطالب والمعلم, فالطالب في النهاية هو نتاج تربية (مختلطة), يشارك في تكوينها الوزارة والمدرسة والمنزل والمجتمع, ولم يعد البيت أو المدرسة وحدهما يشكلان سلوك الطالب ووعيه. فداحة الجرم ينبغي ألا يعمينا عن إيجاد حلول واقعية للمأزق التربوي الذي وصلت إليه العملية التعليمية, فاعتداء الطلاب على معلميهم وإن بدت حالات فردية، تشير بوجود خلل في العلاقة القائمة بين المعلم والطالب, ولا بد أن القيادات التربوية والمعلمين هم نتاج تربية قديمة لها قيمها وقناعاتها فيما يتعلق بالشأن التربوي, وبالطبع فإن تلك المرحلة لم تأخذ في الاعتبار التحولات التي ستؤول إليها العملية التربوية في الحاضر, ولم تستطع الكليات التربوية إحداث تغيير يذكر في تأهيل المعلم الجديد الذي تدفعه إلى الميدان، فيظل متشبثاً بطرق معلميه القدامى, من حمل العصا، وإطلاق العبارات التي تثير حنق الطلاب، ناهيك عن لغة التهديد والوعيد، ناسياً أن طالب اليوم ليس كطالب الأمس, بل هو نتاج مفاهيم وتغيرات جديدة، ومن الحكمة أن نتعامل معه من هذا المنظور.
اعتداء الطالب على معلمه جرم غير مقبول, ولا يمكن تبريره, لكن بالمقابل فإن إيذاء الطالب من قبل المعلم جسدياً أو لفظياً غير مقبول هو الآخر! لقد مارست العمل التربوي -قبل أن أطلقه إلى غير رجعة- أكثر من ربع قرن, وفي مختلف المراحل، مدرساً, ووكيلاً، ومديراً، وأستطيع أن أقول من واقع تجربة، أن بعض المعلمين يتسببون في تأزيم العلاقة مع الطالب، خاصة في المرحلتين المتوسطة والثانوية جراء تصرفاتهم، وهي المرحلة العمرية الحرجة التي تتأجج فيها العواطف والانفعالات، وترتكب الأخطاء, التي يصعب ضبطها والسيطرة عليها، في ظل وجود (المحفز), إلا من خلال علاقة سوية تقوم على الاحترام واللين والمحبة, والتي لا أحسبها ستقلل من قيمة المعلم أو شخصيته, ولعل من الأخطاء التربوية التي تساهم في (توتير) العلاقة بين المعلم والطالب خاصة في الثانوية، إسناد التدريس في هذه المرحلة إلى معلمين شباب حديثي التخرج, ودون الثلاثين, مما يعني أن الفارق العمري بينه وبين الطالب ليس كبيراً.. من هنا تنشأ المشكلة, فأي تهديد أو وعيد من قبل المعلم يفسره الطالب على أنه إهانة له, ويعتبره إساءة من شاب مثله، وأحسب أنه كلما كان فارق السن كبيراً بين الطالب والمعلم, كلما شعر الطالب بأبوة المعلم واحترامه, وتقبل نصحه أو لومه.
العملية التعليمية في رأيي بحاجة إلى مراجعة وتطوير, وفتح قنوات للحوار بين العاملين في الميدان والطلاب، من أجل صياغة آلية جديدة، تقدم حلولاً للمشكلات التربوية المستجدة, والتي لا أظنها عصية على الحل إلى هذا الحد!!.
alassery@ hotmail.gom