هناك العديد من الثغرات الغامضة المبهمة في قصة الفتى عبد الرحمن (13) عاما, أو ما يسمى بطفل الحدود، ولكنها بالتأكيد حادثة لا إنسانية تعكس عمق العنف البشري ضد الضعيف والصغير، مع غياب أدنى مقومات الالتزام الديني أو الخلقي اتجاه كفالتهم ورعايتهم.
وقصة الفتى عبدالرحمن كما نشرتها جريدة الوطن، هي ثمرة زواج سعودي بسيدة سورية في وطنها، ولكنها حين قدمت للسعودية هي وابنها للالتحاق بالأب، بدأت المأساة، فقد انفصلت عن الأب بعد فترة قصيرة من حضورها، وقع الفتى أسيرا بين الطرفين، أو طرفا مستضعفا بلا حول أو قوة لكنه أداة لانتقام الأطراف من بعضها البعض فبعد أن أخرجت الأم بتأشيرة خروج نهائي ترك الأب الفتى على الحدود البرية كأنه عار... هكذا في الصحراء (وهذا هو الجزء الغامض في القضية), إلى أن التقطته دورية أمنية، وقادته إلى مركز شرطة تبوك، حيث مكث بها يومين إلى أن وجد من يستلمه (بحسب ما ذكرت الجريدة).
ونحن هنا لا نتحدث عن قصة خيالية حدثت في القرون الغابرة، زمن القوافل وتجارة الرقيق، وخطف الصبية لبيعهم في سوق النخاسة، لكننا نتحدث عن عصر تجلت فيه معالم الاستقرار والمدنية، وارتفعت شعارات حقوق الإنسان، ومنظمات مناهضة العنف الأسري و أصبحنا نمتلك سقفا معقولا لمناقشة القضايا الإنسانية بحرية وشفافية.
فماذا عن فتى الحدود عبد الرحمن؟
فكما يذكر الخبر أن الفتى قد تطوع بكفالته رجل نبيل واحتضنه ليعيش بين أبنائه، لكن أين دور الجهات الشرعية هنا؟ لما لم يتم إحضار الوصي الشرعي على القاصر بقوة القانون وليعاقب على تفريطه بابنه ومن ثم ليقوم بمسؤوليته المادية على الأقل، حتى لا يكون هناك ولوغ في الشهوات وانفلات غرائزي دون تحمل التبعات التي تتطلبها بديهيات الرجولة والخلق القويم؟
أيضا لما لم يتم دعم الرجل الذي كفله وأشرع له بيته ماديا من قبل الشؤون الاجتماعية على اعتبار أن حالة عبدالرحمن تمثل حالة خاصة لها ظرفها العجيب؟
أين منظمات حقوق الإنسان أمام حادثة تتجلى فيها غاية الامتهان لحقوق الطفل الأساسية بأن يكون له عائلة ومسكن وتعليم ومحيط آمن، وهي من أوائل بنود ميثاق حق الطفل العالمي؟
أين المنظمات المعنية بمناهضة العنف الأسرى أمام فتى يشرف على أخطر مرحلة في حياة الإنسان وهي مرحلة المراهقة الحافلة بالقلق والاندفاع والسؤال عن الهوية وخطر الانخراط في أي فخ من انحراف بحثا عن تحقيق هوية ضائعة على الحدود وطفولة ممتهنة بين مراكز الشرطة وبيوت أهل الخير؟
الأم عادت إلى السعودية ثانية بتأشيرة عمرة لرؤية عبدالرحمن، ولكن الشؤون الاجتماعية أبدت استعدادها للتكفل بالطفل دون أمه، وهذا بالتأكيد أحد تجليات الفكر البيروقراطي المغلق، فعلى حين أن أطفال الرعاية الاجتماعية، تسعى الشؤون الاجتماعية للحصول لهم على أسر كفيلة أو أسر صديقة، لأن لاشيء يوازي الجو العائلي لاحتضان الطفل وتوفير الاستقرار النفسي له، نجدهم عاجزين عن توفير مأوى متقشف لطفل وأمه واقعان نتيجة لظلم اجتماعي كبير.
أين جمعية (رعاية أبناء السعوديين في الخارج) أمام هذه المأساة الإنسانية يتأملها مكتوفو أو مكفوفو الأيدي؟
جميع ما سبق أسئلة تزيد قصة عبدالرحمن (فتى الحدود) غموضا، دون أن يكون هناك حل جذري ينتشل طفولة عبدالرحمن من مأساوية حكايته.