يقول مثلنا الشعبي: «انحشت من القوم وطحت بالسريّه»؛ بمعنى أني هربت من فرقة كبيرة من الأعداء فصادني جزء منهم على حين غرّة!! وهذا المثل ينطبق على حال المواطن عندما يلجأ إلى محام قدير أو غير قدير ليستخلص حقاً له
أو يخرجه من مأزق وضعه فيه متلاعبون وغشّاشون ومخادعون؛ فيأتي إلى حتفه بنفسه إلى المحامي القدير الذي يوقع معه عقداً مما يسمى بعقود «الإرغام»، وهو نوع من العقود يضطر الإنسان إليه على حين ضعف منه وعدم قدرة على سلك سبيل غير الإذعان وإرغام نفسه على أن يطيع المحامي القدير وبالمبلغ الذي يفرضه!! وكأنه يقول: أنا اللحمة وأنت السكين والجزار معاً. وكما نعرف أن المشاكل والقضايا هذه الأيام بدأت تتنوع وتتعقد، ولعل السبب يعود إلى نظام القضاء والقضاة الذين تبقى لديهم المعاملات بالسنين العجاف التي لا يستطيع غير ممتهن العمل معهم أن يقصّر تلك المدد الطويلة والتي تأخذ الأعمار والإعمار معاً؛ من هنا ولهذا السبب يلجأ المواطن أو المظلوم إلى قاتله؛ خوفاً من قاتل أعظم، وهو الوقت الذي يضيع في دهاليز المحاكم ولدى القضاة.
ولعل الذي أثار ما كتبته هو أن الصحف نشرت أن محامياً قديراً استلم مبلغاً من موكله ليدفعه إلى طرف مقابل، وهذا المبلغ بالملايين؛ فأدخله في حسابه وترك القضية التي أعطي المبلغ من أجلها!! ولم يستطع دافع المبلغ استرداد مبلغه ولم يجد مَن يشتكي له من المحامي؛ لأن المحامي يحتاج إلى محام آخر؛ ليعود إليه نصف أو ربع ما فقد؛ وهكذا تستمر دهاليز الاستغلال والخداع تجاه المواطن الذي لا يجد من ينصفه من المحامي، بل أصبح المحامي بعبعاً مخيفاً في المجتمع، ولا توجد مرجعية صارمة تحكم بين المواطن والمحامي الذي هو وكيل ذلك المواطن المخدوع، ولعل من أهم مظاهر الخداع عند بعض المحامين أنهم يظهرون بمظاهر التقوى والصلاح، وتفوح منهم رائحة دهن العود التي أصبحت رمزاً للطهر عند الكثيرين!!
والغريب أن أكثر المحامين الحاليين كانوا قضاة ورجال علم ورجال دعوة وأدعية؛ فلما جاءت المهنة الرابحة، وهي المحاماة انخرطوا فيها؛ ليظهروا على حقيقتهم البشرية؛ وهي حب الدينار والدرهم أكثر من غيرهما؛ فصاروا يخدعون السذج الذين يقولون: (فلان ينتصلى على طرف ثوبه) كنايةً عن التقوى والطهر، ولكنه الذئب في ثوب الحمل.
وكما سمعنا أنه سيكون هناك محاميات من الجنس اللطيف، وهنا تبدأ مسألة أخرى وهي: إذا كانت المحامية مثل أخيها الرجل من حيث التمظهر بالصلاح ثم الخداع؛ فكيف تستطيع النساء اللائي يوكلن المحامية وتستغلهن مثل المحامي أعلاه؟ ليرجع إليهن حقوقهن؟ أظن أن المسألة خطيرة جدا، وكأننا في واد مملوء بذئاب تعوي يأكل القوي الضعيف منها... المحاماة تحتاج إلى مرجعية عاقلة وصارمة لتحمي الناس من المحامين.... فكيف يكون ذلك ومتى؟!
Abo_hamra@hotmail.com