بمناسبة اليوم العربي لليتيم، أذكر هنا أنّ الذين عندهم أيتام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن نزول قول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)، (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)، تحرّجوا وخافوا من هذا الوعيد الشديد فعزلوا هؤلاء الصغار حين أكلهم وعند شربهم، فصاروا يعيشون منفردين ويحيون منعزلين عن غيرهم، عُزل اليتيم ونُبذ في ركن قصي من أركان البيت، وفُصل عن أترابه من الأطفال الذين كانوا يُنسونه ألم اليتم، ولما اشتدّ الأمر على هؤلاء المهمّشين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل قول الله عز وجل: ( .... وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، وأحسنت وزارة الشئون الإسلامية ممثلة في فرعها بحائل حين ذكّرت بحق هذه الفئة الغالية والقريبة من القلب عبر منبر الجمعة في الخطبة الماضية، ومن باب الشيء بالشيء يُذكر، أذكر هنا أنّ معالي الدكتور ناصر بن إبراهيم الرشيد قال حين توقيع إنشاء مركز الأيتام في حائل (إنّ هذه الفئة غالية عليّ كثيرا،ً وقريبة إلى نفسي بشكل كبير، وكل ما أدفعه في سبيل إسعادها هو قليل في حقها، خاصة من لا يعرف له أم ولا أب، إذ إنّ من أعظم النعم على الإنسان أن يكون على دراية وثقة بنسبه وإلى من ينتمي، وفاقد الهوية الأسرية يعيش وضعاً نفسياً صعباً وحقه علينا الرعاية الشاملة والكاملة لعلنا أن نخفف عنه شيئاً ولو يسيراً من المأساة التي هو فيها، ونقي المجتمع من ويلات قد تحدث لا سمح الله إذا غابت التربية الحقيقة والمثالية وفُقد الاحتضان الصحيح والسليم لهذه الشريحة التي لا ذنب لها ولا جريرة)، ولم يكن هذا الكلام من قِبل الدكتور الرشيد - في نظري - من أجل الاستهلاك الإعلامي ولا هو من قبيل الإطراء للذات، إذ إنّ الزائر للمركز يقرأ الكثير من هذه المعاني ذات البعد النفسي والاجتماعي في جنبات هذه المنشأة التي صارت معلماً بارزاً بحق، ولعل مبعث هذا الصنيع ووقوده لدى هذا الرجل نظرته العميقة في وجوب رعاية هذه الفئة نفسياً واجتماعياً، إضافة إلى الرعاية الدينية والجسدية والعلمية، ولذا ذكر حينذاك أن من بين المنشآت التي ستشيد داخل أسوار هذا الصرح المخصص لهذه الفئة وأصدقائهم والمختصين في رعايتهم النفسية والاجتماعية، عدد من الفلل الخاصة بالأيتام الذين يبلغون مبلغ الرجال ويتزوجون من فتيات حالهن كحالهم، وعن جودة البناء وتميز الأثاث، ذكر أنّ نوافذ المشروع ستأتي من سويسرا مثلها تماماً مثل نوافذ منزله الخاص ويعرف جودتها وتميزها عن غيرها في جميع بلاد العالم «فهم كنفسي تماماً»، الذي أعجبني ولفت نظري حين حديثه في ذلك المساء المبارك من شهر رمضان الفضيل قبل ما يقارب الثلاث سنوات، وبحضور جمع من الكتّاب والمثقفين والمهتمين، أنه كان يسأل عن العوائل الحائلية الموثوقة التي يمكن الاستعانة بها في رعاية الأيتام رعاية نفسية واجتماعية، وإشعاره بأنه يعيش في كنف أبوين، حتى ولو كانت زيارة قصيرة في نهاية الأسبوع إذ إنّ هذا الأمر - كما يقول هو - سيحقق لهم الاستقرار والأمان النفسي ويرفع عنهم ما قد ينتابهم من شعور بالقهر والضغينة على المجتمع، والله عز وجل قال {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ}، وأطلق على هذه الفكرة ذات البعد النفسي والاجتماعي والأمني «أسر أصدقاء اليتيم».. بصدق عندما تجلس مع الدكتور الرشيد وترقبه وهو يتحدث عن هذه الفئة أو عن المعاقين أو عن المهمّشين عموماً، تدرك كما أنت مقصر في حق هؤلاء ولو بالكلمة الطيبة وتخرج منه وأنت تقول في نفسك ولمن تقابل «كم هو عظيم هذا الرجل»، وفي هذا المقام لا نملك لأبي فهد ولمن هم على شاكلته من أصحاب الأيادي البيضاء إلاّ الدعاء الصدق من القلب المحب، بأن يحفظهم الله ويرعاهم ويسدّد على الخير خطاهم، وأن يكون ما قدموه وما يقدمونه في موازين أعمالهم، وشكراً أبعثها على لسان كل يتيم في يومهم العربي وإلى لقاء والسلام.