الجزيرة- عبدالرحمن المصيبيح
تشهد مدينة الرياض اليوم الاثنين افتتاح مشروع التأهيل البيئي لوادي حنيفة في مدينة الرياض، برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، وهو المشروع الأكبر من نوعه في المنطقة بامتداد لنطاق المشروع يصل إلى أكثر من 80 كيلومتراً، ابتداءً من شمال طريق العمارية، حتى الحاير جنوباً، الذي مكّن الوادي من استعادة وضعه الطبيعي بوصفه مصرفا لمياه الأمطار والسيول، وأهّله بوصفه أحد أطول مناطق التنزه المفتوحة في المدينة.
وبهذه المناسبة قدَّم المهندس عبداللطيف بن عبدالملك آل الشيخ، عضو الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض رئيس مركز المشاريع والتخطيط بالهيئة، شكره وتقديره لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وسمو نائبه الأمير سطام بن عبدالعزيز - حفظهما الله - على ما حظي به هذا المشروع من رعاية وعناية ومتابعة، كغيره من المشاريع والبرامج التطويرية الأخرى المنتشرة في أرجاء المدينة كافة.
ونوه إلى أن برنامج تطوير وادي حنيفة يعدُّ أحد مشاريع التطوير الاستراتيجي المفتوحة التي تتولاها الهيئة في المدينة، ويهدف إلى المحافظة على بيئته الطبيعية ومنع الأنشطة البشرية من الإخلال بمكوناته ومقوماته البيئية، إلى جانب تهيئته للقيام بوظيفته بوصفه مصرفا طبيعيا للمياه، والمساهمة في تحقيق التوازن المنشود في الاستفادة من مقوماته دون الإضرار بمكوناته، حيث يتم التحكم في مسببات التلوث البيئي في الوادي، والاستفادة من المورد المائي الضخم الذي يتم صرفه حالياً في الوادي.
وبيّن المهندس عبداللطيف آل الشيخ أن الوادي عانى مشكلات بيئية بسبب الأنشطة البشرية المخلَّة ببيئته الطبيعية التي كانت قائمة قبل مشروع التأهيل، ومنها: قيام أنشطة صناعية غيرت مناسيب الوادي، وأتلفت الغطاء النباتي للوادي، وأثرت على الحياة الفطرية فيه، كأنشطة الكسارات ونقل التربة، ومصانع الطوب والخرسانة الجاهزة والمعامل الخشبية ومحطات الوقود وورش السيارات والمدابغ والمسالخ، إلى جانب تراكم النفايات ومخلفات البناء بشكل كبير؛ ما تسبَّب في التأثير على جريان المياه وتكوُّن المستنقعات في الوادي، كما تسبب في اندثار الغطاء النباتي، وتناقص الأشجار المحلية، ونمو أشجار وحشائش غير ملائمة لبيئة الوادي، كما اختفت أنواع كثيرة من الثدييات والزواحف والطيور التي كانت تستوطن الوادي.
وأضاف أن أجزاءً كبيرة من الوادي عانت سوء توزيع شبكات المرافق العامة في بطن الوادي، بما فيها تمديدات الهاتف والكهرباء والطرق المعبدة، التي كانت تخترق الوادي بشكل يؤثر سلباً على مظاهره الطبيعية وتوازنه البيئي، إلى جانب ما تعرَّضت له مجاري السيول وروافده من تضييق نتيجة زحف الملكيات الخاصة على بطن الوادي؛ الأمر الذي أدى إلى جريان السيول بسرعة أكبر وجرف كميات أكثر من التربة معها.
وتابع أن الوادي عانى أيضاً تدنى المستوى الحضري فيه بتدهور عمرانه التراثي والريفي، وتناقص النشاط الزراعي السائد في أرجائه، إلى جانب اختلال الميزان المائي في الوادي نتيجة استنزاف موارد المياه الأرضية من جهة، وتلوثها من جهة أخرى، وازدياد الملوثات العالقة في الهواء؛ لتساهم هذه الأوضاع جميعها في اختلال التوازن البيئي في الوادي حيث تغيير شكل الأرض كلياً في بعض الأودية الفرعية، حتى أصبح بعض أجزائها عبارة عن حفر واسعة مليئة بالمياه الآسنة، إضافة إلى تناقص البيئة الفطرية والحيوانية؛ الأمر الذي نجم عنه ضرر بالغ على بيئة الوادي، وأدى إلى تغيير تكوينه الجغرافي الطبيعي؛ ما أنذر بحدوث مخاطر كبيرة عند جريان السيول.
وبيَّن عضو الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض رئيس مركز المشاريع والتخطيط بالهيئة أن الهيئة من هذا المنطلق بادرت إلى تبني جُملة من الإجراءات والتنظيمات التي تهدف إلى إيقاف المصادر الرئيسية للتدهور في بيئة وادي حنيفة؛ بهدف وقف عملية التدهور المتواصلة، قبل البدء في إعادة الوادي إلى وضعه الطبيعي؛ حيث بدأت إجراءاتها لحماية وتطوير الوادي بإقرارها مبدأ «الحماية البيئية» له، واعتبار محيطه محمية بيئية، ومنطقة تطوير خاصة تحت إشرافها، أتبعت ذلك بإجراءات تنفيذية شملت نقل الكسارات وأنشطة نقل التربة والأنشطة الصناعية ومنع رمي النفايات ومخلفات البناء، وإيقاف التعديات على بطن الوادي، وغير ذلك من الإجراءات التنفيذية، كما شملت تنظيف أجزائه المختلفة؛ تمهيداً لوضع خطة استراتيجية شاملة لتطوير وادي حنيفة؛ لتكون بمثابة الأساس الذي ستُبنى عليه بقية المشاريع التطويرية التنفيذية اللاحقة.
وأوضح المهندس عبداللطيف آل الشيخ أن الهيئة توَّجت هذه الإجراءات بإطلاق «مشروع التأهيل البيئي الشامل لوادي حنيفة» الذي عُني بإزالة جميع المظاهر السلبية القائمة في الوادي، وإعادة الوادي إلى وضعه الطبيعي من خلال العمل على محورين أساسيين، يهدف الأول إعادة وادي حنيفة إلى وضعة الطبيعي بوصفه مصرفا لمياه الأمطار والسيول وللمياه دائمة الجريان الواردة إلى الوادي من مصادر عدة من المدينة، وجعل بيئته الطبيعية خالية من الملوثات والمعوقات التي تحول دون إطلاق آليات التعويض الطبيعية في الوادي، وازدهار بيئته النباتية والحيوانية, وإعادة تنسيق المرافق والخدمات القائمة؛ حيث تتناسب مع بيئته. فيما يعمل المحور الثاني على توظيف الوادي بعد تأهيله ليكون إحدى المناطق المفتوحة المتاحة لسكان المدينة، الملائمة للتنزه الخلوي من خلال إضافة الطرق الملائمة والممرات وبعض التجهيزات الضرورية.
ويضم مشروع التأهيل البيئي الشامل للوادي جملة من الأعمال تشمل إزالة النفايات والملوثات التي تراكمت على مدى السنين الماضية في الوادي، وتسوية مجاري المياه وفق ثلاثة مستويات مختلفة من تصريف المياه الجارية، وإنشاء قناة دائمة الجريان للمياه في بطن الوادي بطول 57 كيلومتراً يجري تنقيتها عبر نظام معالجة طبيعي غير كيميائي يتواءم مع بيئة الوادي، إضافة إلى إنشاء محطة للمعالجة الحيوية تمتاز بقدرتها العالية على المعالجة، فضلاً عن إضافتها لمسة جمالية طبيعية للمنطقة التي تحتضنها، والتي شكلت مع المتنزهات الأخرى على الوادي متنزهات طبيعية يرتادها سكان المدينة طوال العام.
كما امتدت أعمال المشروع إلى إعادة تنسيق المرافق العامة في محيط الوادي لتحسين وضعها بما يتلاءم ووضعه الجديد ومتطلباته البيئية الحساسة، وإنشاء طريق بطول 70 كيلومتراً في مسار جانبي من بطن الوادي، مهيأ - نسبياً - لغمر السيول والفيضانات, تتوزع بمحاذاته ممرات للمشاة، وسط بيئة نباتية استعادت للوادي غطاءه النباتي عبر إعادة غرس النباتات التي سبق أن كانت من مكونات الوادي في السابق، واعتماد مستوى تشجير بكثافة يمكن الحفاظ عليه بقدرات الوادي الطبيعية الذاتية من مياه سطحية وجوفية.
وفي الجانب التنظيمي كشف المهندس عبداللطيف بن عبدالملك آل الشيخ أن الهيئة دعمت الأنشطة الزراعية في معظم أجزاء الوادي من خلال قصر استعمالات الأراضي على هذا النشاط، إلى جانب اعتماد مناطق التصنيف البيئي باعتبار بعض أجزاء الوادي محميات طبيعية؛ نظرًا إلى ما تحويه من حياة فطرية نادرة، مشيراً إلى تأسيس الهيئة «قاعدة للمعلومات الجغرافية لوادي حنيفة والمعلومات البيئية» تساهم في دعم اتخاذ القرار البيئي، وأعمال المتابعة والرصد للمتغيرات والتعديات في الوادي، وذلك عبر استخدام تقنيات نظم المعلومات الجغرافية GIS وأحدث برامج التشغيل والتصفح.