لا شك أنه ضيف عزيز. إنه سمك الحريد الذي يحل على أرخبيل جزر فرسان كل عام ويقيم على شواطئها أياماً معدودات، سمك الحريد أو «الماشي»، هو جزء من ذلك الإرث التاريخي العريق والمظهر الفطري الذي تشكل على شواطئ فرسان، والفرسانيون بطبيعتهم مجتمع مضياف كريم، ولا شك أن الحريد يعيد الكرة كل عام، لا ليختبر كرم الفرسانيين؛ بل ليؤكد عشقه لتلك الشواطئ الحالمة وشعابها المرجانية الرائعة، واليوم إذ يقيم أهالي فرسان مهرجانهم السنوي للحريد في دورته السابعة، فإنهم ينتهجون أسلوباً تسويقياً سياحياً فريداً من نوعه، خصوصاً مع هذا الحضور الرسمي في أعلى مستوياته، والذي يمثله مهندس التنمية الأول في منطقة جازان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز من خلال رعايته السنوية لفعاليات المهرجان.
لقد عرف الفرسانيون كيف يجعلون من «حريد العادة» -كما يميز فصيلته الفرسانيون- موسماً سياحياً جاذباً، وعلامة فارقة على خارطتنا السياحية، ليس على مستوى منطقة جازان فحسب، بل على مستوى الوطن بأسره، فبالحضور الرسمي الكبير والزخم الإعلامي المتميز أعتقد أن الحريد سيدخل إلى كل بيت سعودي، وستدخل معه جزيرة فرسان عبر كل الأقنية الفضائية الحاضرة لتغطية الحدث، إضافة إلى مراسلي الصحف والمطبوعات الإعلامية.
لا شك أن الفرسانيين اليوم، بما أنعم الله عليهم أولا، وبما أولاهم ولاة الأمر في هذه البلاد ثانيا، قد تجاوزوا -ولله الحمد- مرحلة الذهاب إلى شاطئ الحريد من أجل سد رمق الجوع أو إشعال التنور على بضع سمكات حريد يتحلق عليها أفراد الأسرة الفرسانية كما كان يحدث في الماضي، الفرسانيون اليوم يذهبون إلى الحريد من أجل إشباع تلك الروح الوطنية الأصيلة تجاه جزيرتهم المعطاء، فقد حان الوقت الآن - أو أنه قد حان منذ حقبة - كي تكون جزيرتهم وجهة سياحية مرغوبة لأبناء هذا الوطن.
لقد صدح شاعر الجزيرة الأستاذ الأديب إبراهيم عبدالله مفتاح بقصيدته الشهيرة قبل عقود من الزمان في حضرة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية حفظه الله، تلك القصيدة التاريخية كانت بمثابة معروض كبير مقدم باسم أهالي فرسان لطلب توفير مشاريع البنية التحتية والحياتية، وما من أحد يساوره شك بأن مهرجان الحريد السنوي يأتي هو الآخر بالخير العميم على هذه المحافظة وأبنائها، والذين يستحقون وتستحق جزيرتهم المزيد من الالتفاتات الحكومية والأهلية المتواصلة كي تتكامل نهضتها.
مصطلحات «الحريد» و»الضويني» و»الكسب» و»الشدة الفرسانية» مصطلحات ستكون حاضرة في يوم الحريد، ومعها سيحضر جميع ممثلي الوزارات الخدمية في المنطقة على اختلاف مجالاتها، ونتمنى من هؤلاء جميعا أن ينظروا بعين إلى الحريد وفعالياته، وبالأخرى إلى ما تحتاجه المحافظة والجزر المأهولة التابعة لها من خدمات في شتى مناحي الحياة، بدءاً بخدمات قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، وانتهاءً بالخدمات البلدية والتعليمية والمرافق الصحية وغيرها.
القطاع الخاص هو الآخر لابد أن يتخذ من الحريد درساً وعبرة، الحريد يضحي بروحه ولا يضن بها من أجل إسعاد الفرسانيين، وعلى رجال الأعمال من داخل المنطقة وخارجها أن يكونوا كالحريد في عطائه، وأن يضحوا باقتطاع جزء من أموالهم - وهي تضحية مجازية هنا - وإلا فالتضحية بالمال من أجل الوطن هي في الحقيقة استثمار للأرض وللإنسان، وهي كذلك استثمار لطبيعة بكر، كانت ولا تزال الوجهة الأولى للعلماء والباحثين عن الطبيعة النقية التي لم تعبث بها يد الإنسان، وفي هذا السياق لا زلت أذكر العبارة التي ذكرها باحث علمي من دولة عربية شقيقة بعد زيارته لجزيرة فرسان، حينما شبه تربة فرسان هو بتربة القمر!! في إشارة منه إلى مدى عذريتها ونقاوتها، وانتظارها لمن يكتشفها ويسبر أغوارها ويستثمرها بالشكل الأمثل.
وفي الوقت الذي لا يزال فيه جميع عشاق فرسان مبتهجين بهدية المقام السامي الكريم لهم بتوفير العبارتين البحريتين اللتين تحملان اسم «جازان» و»فرسان» كوسيلتي نقل أكثر راحةً وأمانا، فإن الفرصة لا زالت سانحة اليوم وغداً، كي يستثمر رجال الأعمال في قطاع النقل بالذات، والذي يعد العصب الحيوي لتغذية السياحة في فرسان، إن مشاريع النقل الجوي والبحري من وإلى فرسان في حال توفرها، ستكون نقطة البداية وبوابة العبور كي يغزو رجال الأعمال بمشاريعهم الاستثمارية تراب فرسان العذري، وبهذه المناسبة أيضا أقول بأنه ليس الحريد الفرساني وحده من يستحق أن يفرد له مهرجان سنوي، فالغزال الفرساني هو الآخر يستحق مهرجانا سنويا، فلربما تهطل مع الغزال الفرساني بركات كتلك التي تهطل مع الحريد، وختاماً كل مهرجان للحريد وأنتم بألف خير.
محاضر بجامعة جازان
Aymin2008@hotmail.com