الراصد الإعلامي للمشهد السياسي العراقي الحالي يستشعر أهمية وخطورة المرحلة المفصلية التي يعيشها الوطن العراقي الشقيق؛ فقد أمل المواطنون بالانتخابات العامة أن تأتي نتائجها بالتغيير وتخليص الشعب العراقي الصابر من الدخان والبارود والنار وتقدم له الإعمار المتوقع والمنتظر في ظل عهد جديد من الأمن والاستقرار، ولكنها أفرزت أجندة سياسية صعبة التوافق؛ فقد تركزت أصوات الناخبين في أربع كتل سياسية (دولة القانون - الائتلاف الوطني العراقي - الكتلة العراقية، ورابعهم الاتحاد الكردستاني). وكان تقدم الكتلة العراقية بزعامة الدكتور إياد علاوي بالفوز (91 مقعداً) المفاجأة التي هزت كراسي المالكي ومستشاريه؛ فأخذوا يضعون العصي في دولاب الحراك السياسي من أجل منع وإيقاف الاستحقاق الانتخابي الممنوح للدكتور علاوي بأحقية البدء في المشاورات السياسية، ومن أجل تأليف الوزارة الجديدة كما نص الدستور العراقي بمادته 76 والتي تعطي الكتلة الفائزة بأكثر أصوات الناخبين أحقية تأليف الوزارة وعرضها على مجلس النواب لمنحها الثقة البرلمانية بأكثرية النصف (زائد واحد)؛ أي بتصويت 163 نائباً بالثقة في الوزارة الجديدة.
قد يكون من قدر العراق أن تكون الكتلة الكردية هي العامل المساعد في كل سيناريو سياسي لتأليف الوزارة، وتبدأ اللجان الكردية في مراجعة كل الحسابات المؤجلة لتقدمها بفاتورة طويلة كاستحقاق سياسي ثمناً مقابل التأييد المعلن للكتلة الكردية، والتي تدرج هذه المطالب العرقية الطويلة ذات السقف العالي في برنامجها الوزاري، وتتعهد بتنفيذها، ولا بد من تطبيق المادة 140 من الدستور باستفتاء أهالي كركوك بإلحاقها وبترولها لإقليم كردستان ورسم خريطة جديدة تضم الجغرافية الجديدة بين دهوك وحتى جنوب جبال حمرين وتثبيت نسبة 17% من ميزانية العراق لحكومة إقليم كردستان ودفع مرتبات (البيشمركة) من وزارة الدفاع الاتحادية دون الخضوع لتعليماتها بل تتلقى أوامرها العسكرية من حكومة إقليم كردستان والعمل على تسوية كل الخلافات خلال عامين بالنسبة إلى قانون (النفط والغاز) وتعديلاته المقترحة في الجانب الكردي بمنح حكومة الإقليم في التعاقد مع الشركات الأجنبية بالاستثمار البترولي دون اعتراض الحكومة الاتحادية وضم كافة المناطق الإدارية المتنازع عليها للإقليم والاعتراف بحدوده الجديدة والتوافق بين كل الكتل بتجديد منصب رئاسة الجمهورية للطالباني ومنح حقيبة الخارجية للزيباري وتجديد الثقة برئيس الأركان العامة الفريق الزيباري أيضاً وكأنهم يطالبون بالسمكة الكبيرة دون المشاركة بالصيد ويخشون ابتلال ثيابهم!
المواطن العراقي العربي يواجه هذه الطلبات الكثيرة بالاستغراب بأن هذا الشعب الأصيل الذي أنجب محرر القدس صلاح الدين الأيوبي لا يشارك في الجهد السياسي لإنقاذ الشعب العراقي الذين هم جزء أساسي من مكوناته والذي قدم لهم الكثير من الحقوق ابتداء من الحكم الذاتي ونهاية المطاف السياسي بإعلان إقليمهم (شبه المستقل) ومنحهم نسبة عالية من إيرادات ميزانية الدولة العراقية لتعمير مدنهم وقراهم بعد أن وضعهم الدستور العراقي في المرتبة الأولى من سلم المواطنة ولكنهم اختاروا مكانة الشريك المتضامن بالربح والكسب فقط دون أن يحسوا بحرارة النيران المتناثرة من المتفجرات على أبناء بغداد وكربلاء والبصرة بل يتجه حراكهم السياسي نحو المشاريع السياسية المقدمة من دول الجوار الإقليمي والاطمئنان لصك الضمان الأمريكي بالسعي نحو تكوين الدولة الكردية المستقلة، أما العراق وشعبه فالجلوس على أعلى قمة من الجبال في شماله لمشاهدة مسرح العمليات السياسية المتناطحة وشم رائحة البارود عن بُعد، ولكن حين اشتداد قصف المدافع الإيرانية على قرى كردستان فآنذاك يبدأ استنجاد قادة الإقليم بالحكومة الاتحادية ويعلون النداء؛ كونهم مكوناً أساسياً من الشعب العراقي!
القادة السياسيون من الشعب الكردي المسلم، باختلاف مراجعهم السياسية (الكتلة الكردستانية وكوران التغيير والاتحاد الإسلامي)، مدعوون جميعهم للارتقاء إلى قمة المصلحة العراقية العليا والإدراك أن مشاركتهم في الحراك السياسي من أجل ولادة الوزارة الجديدة لإنقاذ شعبهم وتحقيق آماله في التغيير وفرض الأمن والأمان والاستقرار الاجتماعي وتهيئة الدولة للمرحلة الجديدة للإعمار الاقتصادي وتقديم الخدمات المنسية للشعب العراقي من الفاو حتى دهوك، وأن يكون اختباراً فعلياً وحقيقياً للأكراد للقيام بواجبات المواطنة العراقية والنزول من قمم جبال العراق إلى سهوله لإعماره مع أشقائهم العرب وبسط الأمن والأمان على أراضيه والتي يرجحها المواطن العراقي على غذائه!
(*) محلل إعلامي - عضو جمعية الاقتصاد السعودية - هيئة الصحفيين السعوديين