لا يستطيع أي زائر لمهرجان الجنادرية للثقافة والتراث لهذا العام إلا أن ينبهر ويندهش ويشيد بالمجهود الجبار الذي بُذل، وانعكس بريقاً ووهجاً ونجاحاً لافتاً للمهرجان بدورته الخامسة والعشرين.
فحديث الشارع السعودي خلال الأسبوع الماضي كان يتمحور حول (الجنادرية) فالكل يسأل (ما رحتوا الجنادرية ؟ شفتوا الجنادرية ؟ لا تفوتكم)! هذا ما سمعته كثيراً في المجالس وفي الجامعة وحتى أثناء موعد لي لدى طبيب الأسنان! فقررت أن أذهب بعد عزوف - لم أندم عليه - امتد سنوات عن زيارة المهرجان.
وفعلاً ذهبت وأصابتني ذات الدهشة وشعرت بالانبهار والإعجاب والفخر، بهذا المجهود العظيم في الاستعداد والتنظيم والتنوع والتنافس الإيجابي بين مناطق المملكة والوزارات والدوائر الحكومية المشاركة التي تسابقت للتميز والتفرد في التعريف عن نفسها وعن نشاطاتها وإنجازاتها بطريقة راقية وجذابة، وإن كان هناك مبالغة أحياناً في سرد الإنجازات وطرح الشعارات ولكني اليوم لست بصدد النقد، بل إن هذا المقال ما هو إلا حقيقة وواقع شاهدته عن قرب ولمسته عن كثب والحق يقال والكمال لمن تفرد بالكمال.
فالتنزه في جناح حائل والقصيم والمدينة المنورة وعسير ومكة المكرمة والباحة ونجران والجوف تجربة فريدة وثرية تخولك التعرف عليها وعلى أهلها عن قرب.. على تراثهم، بيوتهم، أسلوب حياتهم البسيط آنذاك وأهازيجهم ورقصاتهم ومأكولاتهم الشعبية الشهيرة مثل (كليجة) القصيم و(منتووفرموزة) الحجاز وغيرها من المأكولات اللذيذة التي حضّرت من قبل أهلها.
وكان للضيف الفرنسي نكهة خاصة فجناحه شهد إقبالاً كبيراً من الذين أرادوا التعرف على حضارة وتاريخ وروعة فرنسا.
المثير للاهتمام أيضاً هو فسحة الحرية المتاحة وحضور العائلة معاً للتنزه والتعرف سوياً على مناطق المملكة، والاستمتاع بالفعاليات المقامة بهدوء وانسيابية وراحة دون أي خوف أو توجس ودون أن تكون جدران الفصل عائقاً يمنع العائلة من حقها الإنساني الطبيعي في الخروج سوياً. فكانت هذه نقطة ميزت الجنادرية ومنحتها طابعاً حميمياً وحضاًرياً يحسب لها ولمنظميها.
بقي أن أقول على الرغم من الجهود المبذولة حقيقة هناك بعض الاقتراحات لكي تكون الجنادرية أجمل منها: أن يتم توفير وسائل التنقل بالقطارات مثلاً، بطريقة منظمة لكبار السن من الرجال والنساء، لكي يستمتعوا ويتمكنوا من إنعاش ذاكرتهم واستنشاق عبق التراث والماضي الذي أحبوه وافتقدوه وحنوا إليه.
كما أقترح أن تتم مراعاة المداخل وتوسيعها والطرق والمنافذ المؤدية إلى مقر المهرجان التي شهدت ازدحاما وتكدساً مروريا لم تستطع الأجهزة المرورية السيطرة عليه، خصوصا في نهاية الأسبوع حتى إن كثيراً من الزائرين قد يترددون ويعيدون النظر في زيارة المهرجان مرة أخرى.
كما أن الأمر يحتاج إلى وضع مقاعد استراحة لمن يريد الجلوس والراحة من عناء المشي وقطع المسافات بين الأجنحة، كما أنه جدير بالاهتمام فكرة تمديد فترة المهرجان وألا يقل عن شهر وذلك ليتسنى لأكبر عدد من المواطنين والمقيمين زيارته والاستمتاع به.
ختاماً.. كل الشكر لكل الموظفين المشاركين لتمثيل وزاراتهم ومؤسساتهم على التعب والسهر وحسن الضيافة وعلى الابتسامة الجميلة التي رحبوا بضيوفهم بها، على الرغم من كثافة الحضور وطول ساعات العمل.. والشكر موصول للرجال المخلصين في رئاسة الحرس الوطني متمثلة في صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبد الله الذين أثبتوا من خلال هذا الإنجاز الحضاري أن الحرس الوطني ليس مؤسسة عسكرية صارمة فحسب إنما منارة للفكر والتراث والثقافة.