Al Jazirah NewsPaper Saturday  03/04/2010 G Issue 13701
السبت 18 ربيع الثاني 1431   العدد  13701
 
على هامش ندوة الحِسْبة وعناية المملكة العربية السعودية
رعاية الدولة وشراكة المجتمع
د. عبدالمجيد محمد الجلال

 

في مراحل تأسيس الدولة السعودية الثالثة كان العلماء وأئمة المساجد وأهل التقوى والصلاح، يقومون بواجبهم في الاحتساب على سبيل التطوع، ومع اتساع المناطق التي امتدَّ إليها نفوذ الدولة، كلَّف الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الشيخ عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ -رحمه الله- بالقيام على ولاية الحسبة ومباشرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمدَّه تباعاً بالأعوان والمساعدين. وفي عام 1344هـ - (1925هـ) تمَّ إنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مدينة مكة المكرمة، وأخرى في مدينة الرياض في عام 1345هـ -(1926م) تحت إشراف رئاسة القضاء آنذاك. ومع استقرار البلاد، واستكمال مرحلة التأسيس أخذت تتسع فروع الهيئة ومراكزها لتشمل مناطق المملكة برمتها.

في عام 1372هـ - (1952م) تمَّ تشكيل إدارتين مستقلتين، لكلٍ من هيئتي: نجد والحجاز، على التفصيل التالي:

الأولى: هيئة الحجاز.. ومقرها الرئيس مدينة مكة المكرمة، وتخضع لإشرافها هيئات ومراكز المنطقتين الغربية والجنوبية.

الثانية: هيئة نجد.. ومقرها الرئيس مدينة الرياض، وتخضع لإشرافها هيئات ومراكز مناطق الوسطى، والشرقية، والشمالية.

وفي عام 1396هـ - (1976م) أُعيد تشكيل جهازي الهيئة في منطقتي: نجد والحجاز، وما يتبعهما من فروع وهيئات ومراكز تحت إدارة واحدة، تحمل اسم «الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» بهدف تنظيم الإشراف على أعمالها، وتطوير هياكلها الإدارية، وقدراتها، ومواردها المتاحة.

وفي عام 1400هـ - (1980م) صدر نظام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إحدى وعشرين مادة مقسمة على أربعة أبواب, احتوت على جملة من الصلاحيات والتعليمات المنظمة لأعمال الهيئة. ثمَّ صدرت لائحته التنفيذية عام 1407هـ - (1987م) في ست وخمسين مادة مقسمة على خمسة أبواب.

وتتمحور الوظائف الأساسية للهيئة في القيام بتبصير الناس بأركان دينهم، وحثهم على التَّحلي بآدابه وفضائله الكريمة، من خلال برامج وأنشطة التوعية والتوجيه والإرشاد (الأمر بالمعروف) إضافة إلى مباشرة ضبط المخالفات والمنكرات والبدع، وسائر التصرفات والسلوكيات المشينة، التي تصطدم بالأحكام والقواعد الشرعية المعتبرة (النَّهي عن المنكر).

هذه التجربة التاريخية المعاصرة ما كان لها أن تنجح بامتياز لولا توفيقٍ من الله سبحانه وتعالى، ثمَّ هذه العناية والرعاية من القيادة الرشيدة، وإيمان السواد الأعظم من سكان هذه البلاد المباركة بأهمية شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنَّها ركن أساس في منظومة الأمن الأخلاقي المجتمعي، وبالمكانة الرفيعة لرجال الحِسْبة في المجتمع، وأنَّهم يُشِّكلون الخط الدفاعي المتقدم للتصدي للمنكرات والفوضى السلوكية.

ولعليِّ لا أُبالغ إذا قلت أنَّها حالة استثنائية في العصر الحديث، وتجربة متميزة، في تنظيمات الدولة الحديثة، إذ في ظل انحسار أدوار الحِسْبة والمحتسب في المنظومة المجتمعية الإسلامية المعاصرة، استطاعت المملكة العربية السعودية المحافظة على هذا الإرث الإسلامي العظيم، والجمع بينه، وبين متطلبات التقدم المدني والمجتمعي، بلْه سعت إلى ترسيخ مبادئ الحِسْبة داخل نسيج المجتمع السعودي، وتثبيتها ركناً أساسياً من أركان الدولة، وجزءاً لا يتجزأ من دستورها، فجاء في المادة الثالثة والعشرين من النظام الأساسي للحكم (تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله). هذا من جهة.

ومن جهة أخرى اتسمت هذه التجربة بالحراك الديناميكي، فلم تظل أسيرة داخل قوالب شبه جامدة، أو ساكنة، إذ مرت بأدوار من التطوير وإعادة الهيكلة لمواكبة التحولات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للدولة والمجتمع السعودي على وجه العموم. والراصد لكل آفاق ومجريات الحراك والتطوير داخل جهاز الحِسْبة أو هيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، سيجد جهازاً يسابق الزمن في الأخذ بمنتجات وأساليب التقنية الحديثة، ومناهج التخطيط المتطورة، ومن أنموذج ذلك الخطة الإستراتيجية للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (حِسْبة) 1430 - 1450هـ طويلة المدى (عشرون عاماً) التي تستهدف إحداث نقلات نوعية وهيكلية في مجال التطوير والتحديث، بمساراته، وأهدافه، ومنهجيته، ومرتكزاته، وآلياته. ويعكس إرادة الهيئة في تطوير قدراتها وإمكانياتها، وبناء قاعدة صلبة في مجال ميكنة العمل، وتوظيف الموارد، وتحقيق المزيد من الكفاءة في الأداء وأساليب العمل.

ويأتي انعقاد (ندوة الحِسْبة وعناية المملكة العربية السعودية بها) تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، في إطار عام يستهدف التأكيد على منهج الدولة في الرعاية والعناية، من جهة. وتعزيز الشراكة المجتمعية، من جهة أخرى. بما يساعد على إضفاء المزيد من الزخم والعطاء في العلاقة مع شرائح المجتمع المختلفة.. وقد اشتملت الندوة على ثمانية محاور:

الأول: الحِسْبة في الشريعة الإسلامية.

الثاني: أساليب الحِسْبة ووسائلها بين الواقع والمأمول.

الثالث: رعاية المملكة العربية السعودية للحِسْبة منذ التأسيس وحتى الوقت الحاضر.

الرابع: الحِسْبة في أنظمة المملكة العربية السعودية.

الخامس: نظام هيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر وعلاقته بالأنظمة العدلية والأمنية وغيرها.

السادس: أثر الحِسْبة وجهود هيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر في حماية ثوابت الأمة وتحقيق الأمن ومكافحة الجريمة وحفظ حقوق الإنسان.

السابع: علاقة الهيئة بالأجهزة الحكومية والمؤسسات الأهلية والمجتمع بين الواقع والمأمول.

الثامن: الاستشراف المستقبلي لمجالات الاحتساب في المملكة العربية السعودية.

والبحوث وأوراق العمل المنبثقة عن هذه المحاور تدخل في نطاق ما يعرف بالدراسات المساندة، ولمَّا كانت الهيئة في طور الإعداد لمشروع خطتها الإستراتيجية طويلة المدى، فإن هذه النوعية من الدراسات والبحوث وأوراق العمل سوف تساعد بالتأكيد على بناء برامج التخطيط والتطوير وفق قاعدة متكاملة من المعلومات والبيانات الإحصائية، بما يُعَّزز بالتالي من سلامة البناء العلمي والتحليلي لعناصر الإستراتيجية.

والقادم بإذن الله يحمل الكثير من الزخم الإيجابي بما يخص الحِسْبة وجهازها وبرامجها التطويرية وشراكتها المجتمعية.

من أقوال ابن تيمية -رحمه الله- «إذا كان جماع الدين وجميع الولايات هو أمر ونهي فالأمر الذي بعث الله به رسوله هو المعروف، والنهي الذي بعثه به هو النهي عن المنكر، وهذا نعت النبي والمؤمنين».




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد