جازان - سجى علاقي
استقبل معالي مدير جامعة جازان الأستاذ الدكتور محمد بن علي آل هيازع الدكتورة خولة بنت سامي الكريع رئيس مركز الأبحاث بمركز الملك فهد الوطني للأورام وكبيرة علماء أبحاث السرطان بمستشفى الملك فيصل التخصصي بمكتبه ظهر أمس.
وفي بداية اللقاء بين آل هيازع أن تكريم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للدكتورة خولة الكريع يجسد دعم قيادتنا الرشيدة للعلم والمعرفة وأن تكريم الجامعة لها هو تكريم تستحقه نظرا لجهودها العلمية والبحثية في مجال أبحاث السرطان الأمر الذي يبعث على الفخر والاعتزاز في نفوسنا كأكاديميين ومسؤولين ومواطنين بما حققه أبناء هذا الوطن وبناته من إنجازات علمية نعتز ونتباهى بها.
وأشادت الدكتورة الكريع بما وصلت إليه جامعة جازان من التطورات والإنجازات التي حققتها الكليات الصحية.
كما رحبت الدكتورة الكريع بتعاون مشترك في المجال البحثي بينها وبين جامعة جازان في مجال أبحاث السرطان والتعاون المشترك في إلقاء المحاضرات لطلاب الكليات الطبية والصحية في الجامعة وتدريبهم في مراكز الأبحاث بمستشفى الملك فيصل التخصصي.
وفي نهاية اللقاء عبرت عن شكرها لمعالي مدير جامعة جازان الأستاذ الدكتور محمد بن علي آل هيازع على إتاحة الفرصة لها للمشاركة في فعاليات الموسم الثقافي الثالث لجامعة جازان.
هذا وأقيمت محاضرة للدكتورة خولة الكريع ضمن فعاليات الموسم الثقافي مساء أمس الأول بمسرح الجامعة بعنوان «طريقنا العلمي تحديات وآمال» جاء فيها:
إنه ليسعدني ويشرفني أن أكون بينكم هذا اليوم نحتفل معا من خلال هذا الصرح التعليمي الشامخ «جامعة جازان» نحتفل بالعلم والثقافة في منطقة من مناطق الوطن التي نكن لها كل المعزة والحب والتقدير، وهاهي جيزان العريقة بماضيها والشامخة بحاضرها والفواحة بأطيابها، الحالمة بشواطئها تدعونا مشاركة فرحتها.. ووالله من شدة الكرم وحسن الاستقبال وسخاء الضيافة حسبت عند قدومي أنني بنت هذه المنطقة الرائعة ولم أحس أن هذه أول زيارة لي لجازان بل من اللطف الذي غمرتموني فيه أحسست أن عيوني قد لامست ملامح هذه الشوارع من قبل.
نعم هي زيارتي الأولى ولكن أعدكم بأنها لن تكون الأخيرة وكم انبهرت عندما علمت عن الإنجازات العملاقة التي تمت بجامعة جازان في فترة زمنية قصيرة جعلتها من الجامعات التي يشار إليها بالبنان على أرض وطننا الحبيب.
إنه من محاسن الصدف أن يكون حضوري بينكم بعد فترة وجيزة من تكريم ولاة الأمر لجهودي البحثية وتقليد خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- لي بوسام المغفور له الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، ولعل حصولي على هذا الوسام الرفيع فيه مدلولات عدة أولها أن حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -سلمه الله- تؤمن بأهمية العلم وترعى علماءها وتدرك وتعي أن العلم هو أساس التفاضل والريادة بين الدول والشعوب، أما الدلالة الثانية والتي تهمني كامرأة سعودية أن المرأة السعودية استطاعت أن تخرج من الأسوار المحكمة التي أحاطت بها لعقود طويلة واستطاعت أن تثبت دورها الفعال وكفاءتها العالية في المساهمة في مسيرة التنمية والعطاء لهذا الوطن، وليس هذا فحسب بل إن ولي الأمر يبارك ويثمن هذه المشاركة. وما تكريمي الأخير إلا رد على من يعتقد غير ذلك، ودلالة على أن والد الجميع الملك عبدالله بن عبدالعزيز -أطال الله في عمره- ينظر بعين العدالة والمساواة لجميع أبناء هذا الوطن من ذكور وإناث، فمقياس المفاضلة لديه ليس الجنس أو المنطقة وإنما مقدار العمل وحجم العطاء من المواطن، وأنا في طريقي للمثول بين يدي والد الجميع خادم الحرمين الشريفين رجعت بذاكرتي إلى الوراء إلى الوراء جداً.. إلى تلك الطفلة الصغيرة بظفائرها الطويلة وهي تقف بين إخوانها الذكور الذين يكبرونها العمر سنوات تحاول أن تجاريهم في لعبهم وفي ضحكهم.. فتلك الطفلة ورغم أنها أنثى إلا أنها بنت بادية وعشيرة لا تدري أن في أنوثتها نقصان لها عن إخوانها الذكور، هكذا نشأت وهكذا نشأت نساء صحراء هذا الوطن.. نشأن شقائق الرجال.. المرأة والرجل جنبا لجنب مكملين لدور بعضنا البعض، وكل يحترم ويقدس خصوصية الآخر ودوره المناط به.
عودة إلى تلك الطفلة الصغيرة والتي ملأتها الغيرة من إخوانها الذكور وهم يحملون حقائبهم للذهاب إلى أول يوم دراسي، فرغم صغر سنها إلا أنها كانت تعلم في قرارة نفسها أنها تستطيع دخول المدرسة وتعلّم ما يتعلمه إخوانها.. أخذت تبكي عند والدها وترتجيه أن يمكنها من الذهاب، ورغم سنها الصغير.. خمس سنوات.. إلا أن والدها تمكن من تسهيل انضمامها لصفوف الدراسة، ومن ذلك اليوم وتلك الطفلة أقامت علاقة دائمة مع النبوغ والتفوق.
نشأت في شمال المملكة حيث لا رياض أطفال أو مدارس لغات ولكن كانت هناك مدارس رائعة للحياة.. فالحياة بدوية بسيطة، جميلة بريئة، ندرس فيها جميع القيم النبيلة.. لم نكن نأخذ تلك القيم من كتب أو حصص مدرسية وإنما مما نراه في حياتنا اليومية، عرفنا معنى الوطنية ليس من خلال مادة وطنية تدرس ولكن تعلمناها من خلال مشاهدتنا لأهلنا وأجدادنا وهم يعملون على بناء الأرض ومن خلال حكاياتهم لنا مع عبق القهوة العربية ودفئ النار التي نلتم حولها كيف صارعوا قسوة الصحراء وعاشوا شامخين على ترابها محافظين عليها، تعلمنا أيضا من تلك المدرسة هناك معنى الكرم، فلم تكن صفة الكرم شيئا نبيلا نقرأ عنه وإنما طبعا نراه ونمارسه كل يوم ونحن نرى أهلنا وهم يقدمون أغلى وأثمن ما لديهم لتكريم ضيفهم وإن كانوا لا يعرفونه.. تعلمنا أيضا معنى أن أعتز بأني امرأة فبنت الصحراء حرة أبية شامخة كشموخ أهلها لا ترى في نفسها أي دونية مقارنة بأخيها الرجل، فيعملون جنبا لجنب في مواسم الزرع والحصاد، تربطهم علاقة الاحترام والعفاف والطهارة، بل المدرسة هناك تعدت في تعاليمها العديد من المدارس الحديثة التي تنادي بالمساواة وحقوق المرأة، لأن مدرسة البادية تجعل من المرأة رب البيت في حال غياب الرجل وتقوم بدوره في إكرام الضيف والاحتفاء به.
تلك بيئتي وتلك مدرستي... أحببت الكتب والقراءة، وبحكم قربنا في الشمال من بلاد الشام فقد كانت رحلتنا إلى تلك البلاد مصدر سعادة لي حيث كنت أجمع ما يطيب لي من إصدارات وكتب علمية وثقافية من دور النشر والتوزيع لديهم، وأشتري ما يشبع فهمي للقراءة طوال العام... كان وقت الطفولة البريئة مليئا بالانطلاق، يتناغم بين كتب المدرسة وكتب الثقافة والصيد مع إخوتي، والانطلاق فوق رمال هذا الوطن حتى إني من حبي وعشقي للرمال أحس أنها تبادلني المحبة والإحساس.. كنا نعيش في عالم الواقع الجميل وليس الخيال المغلوط الذي تحاول العديد من وسائل الإعلام حشو عقول أبنائنا بهتراته. أحببت أن أعطيكم ملامح نشأة تلك الطفلة ليعرف الجميع أن نبوغ العقل ووسطية التفكير وجمال الروح لا يمكن أن نصنعها بأبنائنا من خلال الماديات فقط وإنما يكون ذلك من خلال العودة لجذورنا والاعتزاز بذاتنا وعدم الانسلاخ من بداوتنا وشرقيتنا، فإن قمنا بذلك أنشأنا جيلا مليئا بالثقة متصالح مع نفسه مبدع في إنتاجه.
نشأت في تلك المدارس وحصلت على أعلى نسبة في المرحلة الثانوية «حيث كان ترتيبي الثاني على مستوى المملكة» وقررت الالتحاق في كلية الطب.. عندما قررت ذلك اتهمني العديد بالحالمة وأخذوا يتساءلون إن كنت أستطيع المواصلة بعد أن أصبحت أما لابني نواف وأنا في السنة الأولى من كلية الطب. صعاب الأمور تستهويني وروح التحدي تنعش ذاتي، لذا فقد تجاهلت تلك الأصوات ومضيت في إكمال طريقي في كلية الطب محاولة بعد توفيق الله طبعا الموازنة بين أمومتي وبين ساعات دراستي الطويلة وعملي في أروقة المستشفيات.
لا أنكر عليكم الدرب لم يكن باليسير، ولا أخفيكم أني كنت أمر بلحظات يختفي فيها بريق الأمل أمام وعورة الطريق وعظم الطموح وسهر الليالي، ولكن الإيمان بالله والمثابرة والطموح ما تلبث أن توقد ذلك الوميض مرة أخرى, ولكن دعوني اختصر وأقول إن المشوار من دخولي كلية الطب إلى وصولي سنة الامتياز أو التدريب إلى عملي الزمالة في جامعة الجورج تاون في أمريكا حدد معالم مستقبلي المهني ورسخ القرار لدي بأن تخصص أمراض السرطان هو ما أريد الإبحار فيه، وأثناء اعتنائي بالكثير من المرضى بمن فيهم مرضى السرطان اكتشفت أن الطب الإكلينيكي البحت لا يستهويني كثيراً وحصر دوري كطبيبة في فحص المرضى وصرف العلاج لهم ثم الانتظار! لا أجده كافياً.. كنت أشعر أنه يجب بذل المزيد لهؤلاء المرضى أكثر من القدرة على تشخيص حالتهم وصرف العلاج لهم! كان يحز في نفسي عندما أشاهد معاناة مرضى السرطان وكل ما نستطيع تقديمه لهم كأطباء هو أدوية كيماوية مليئة بالسموم، يتناولونها ويتحملون أضرارها حتى بدون معرفة إن كانت ستعمل وتؤدي إلى القضاء على الخلايا السرطانية أم لا. لقد كان شيئا يثير فضولي العلمي وتساؤلاتي لماذا عندما يكون لدينا مجموعة من مرضى السرطان ويصارعون نفس النوع من الورم فنقوم بإعطائهم نفس العلاج الكيماوي ونفس الرعاية الطبية، فمنهم من يشفى تماماً ومنهم لا يتجاوب أبدا ومنهم من قد يتجاوب في البداية ثم يعاوده المرض مرة أخرى بعد فترة قصيرة.
فمن هنا ظهرت رغبتي في التوغل في هذا المرض والتخصص في جينات السرطان وكشف أسبابه الجينية «الوراثية» لا سيما ونحن نعيش في عصر الخريطة الجينية والتكنولوجيا المصاحبة له والتي أسرعت في حل الكثير من الرموز المحيطة بهذا المرض، وظهرت أدوية جديدة تعطي مرضى السرطان الكثير من الأمل نحاول أن تكون لنا الريادة في تقديمها لمرضانا في المملكة.. ما تسمى بالأدوية الموجهة، والتي تستطيع تصميمها بطريقة تقضي على الخلية السرطانية بدون التأثير على الخلية السليمة المحيطة بها وبالتالي نستطيع القضاء على الورم نهائياً وبأضرار جانبية قليلة.
قبل أن أختم كلمتي لدي همسة لكل امرأة سعودية تطمح للنجاح.. كوني محاربة دائماً، تسلحي بالإيمان، واجعلي ثقتك بالله دائما ثم بقدراتك وذكائك وإبداعك لا تجعلي الصورة البراقة التي يحاول الإعلاميون رسمها عن المرأة الناجحة من أنها امرأة توافرت لديها جميع الظروف فهذا ليس صحيحاً. فبرأيي أن أي إنسان سواء أكان رجلا أو امرأة يستطيع أن ينجح إذا كان لديه مقومات النجاح، وعلى رأسها الإيمان بالله وإخلاص النية ووجود الهدف النبيل ثم العمل والاجتهاد والمثابرة.
لن أطيل عليكم أكثر لكي نستطيع أن نتبادل الأحاديث والأسئلة التي تودون طرحها أكانت طبية أو تلامس مشواري العلمي، ولكن قبل نهاية حديثي اسمحوا لي أن أكرر أمامكن الوعد الذي قلته أمام خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- أنني بالأصالة عن نفسي ونيابة عن أطباء وعلماء هذا الوطن.. سنساهم إن شاء الله في التخفيف من معاناة مرضى السرطان لدينا وسنعمل جاهدين على إيجاد أفضل الوسائل العلاجية والتي تقوم على أسس علمية مدرسة. وأدعو الله عز وجل أن يمدنا بالعون والقوة لخدمة الإنسانية وجعل وطننا الحبيب منبرا للعلم كما هو منبر للعطاء، واسمحوا لي في الختام أن أكرر خالص شكري وتقديري لتكريمكم وكرمكم وحسن ضيافتكم وحفظكم الله ورعاكم. الجدير بالذكر بأن المحاضرة تخللها عرض فيلم «جامعة جازان.. خطوات تسابق الزمن» وقصائد شعرية وكلمة ترحيبية وفي نهاية المحاضرة قدمت طالبات الجامعة هدية تذكارية للدكتورة خولة بنت سامي الكريع تقديراً لاستجابتها لدعوة جامعة جازان.