الخاطرة الأولى
أصبح مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة معلماً بارزاً من المعالم الثقافية في بلادنا، بل إنه لم يعد مهرجاناً بالمعنى التقليدي لهذه الكلمة وإنما صار بمثابة موسم ثقافي، تتجدد فيه كل عام فعاليات متنوعة من ألوان الثقافة والتراث، ويشد إليه الرحال، آلاف من الزوار من داخل المملكة وخارجها بقصد السياحة الثقافية، إذ يحفل المهرجان بمتبغى كل زائر من سوق تراثية، وفنون شعبية، ونماذج من ماضي الحياة الاجتماعية والعمرانية من مختلف مناطق المملكة وبعض دول الخليج العربي، كما تقام خلال هذا الموسم الثقافي ندوات حول مختلف جوانب الفكر والأدب، ولا أعدو الحقيقة إن قلت إن مهرجان هذا العام تفوق على نفسه، فمن ناحية عرض الأوبريت تصويراً فنياً للروح الوطنية امتزجت به مشاركة صوتية من المرأة معلية من شأن دورها في النهوض بهذا الوطن، ومن ناحية أخرى خصصت إحدى ندوات المهرجان لمناقشة موضوع السلفية، وهو موضوع لا يفارق الأذهان في مجتمعنا ولكن صورته في الذهن رمادية. ويزهو المهرجان في حفل الافتتاح بتشريف خادم الحرمين الشريفين وقادة هذا البلد الكريم وعرض فني رائع تحشد له أفضل المواهب الفنية، وفي السنوات الأخيرة تضمن حفل الافتتاح تكريما لشخصية العام الثقافية - في هذا العام حظي بالتكريم الشاعر المبحر بزورق الشعر على رمال الصحراء الشيخ عبدالله بن إدريس. هو إذن مهرجان تمتزج فيه مظاهر ثقافية متنوعة، ومما زاد من تأكيد طابعه الثقافي ما أعلنته اللجنة المشرفة على المهرجان من موافقة خادم الحرمين الشريفين على إنشاء جائزة للثقافة وأخرى للتراث. والمرجو في هذا الصدد أن لا يكتفى بفقرة في الحفل يتم فيها إعلان اسم الفائز بالجائزة وتشرفه بالسلام على الملك، بل توضع فقرة مستقلة في برنامج الحفل يتم فيها الإعلان عن الشخصية التي تمنح لها الجائزة وحيثيات استحقاقها ثم يتقدم المكرم للملك للسلام عليه واستلام الجائزة ثم يلقي كلمة قصيرة - كما هو متبع في مثل هذه المناسبات الاحتفالية.
الخاطرة الثانية
قبل بدء مهرجان الجنادرية بأسبوعين أقيم معرض الكتاب الذي يعد - حقاً - حدثاً ثقافياً تنويرياً واستقطب اهتمام المجتمع بأسره رجاله ونسائه، وكانت أيام المعرض أيضاً بمثابة موسم ثقافي رائع لكن هل من الضروري أن يكون هناك موسمان ثقافيان في مدينة واحدة لا يفصل بينهما سوى أسبوعين؟ هما يختلفان بالطبع في نطاق نشاطهما وفي المرجعية الإدارية لكل منها - هذا يتبع وزارة الثقافة والإعلام، وذلك يتبع رئاسة الحرس الوطني، ولذلك لا يجب التفكير في دمجهما. ولكن من الضروري التفكير في تنظيم وقت إقامتهما بحيث يكونان متزامنين. فإن مجموعة كبيرة من المثقفين سعوديين وغير سعوديين يشاركون في ندوات الجنادرية - فقد دعي للحضور والمشاركة أكثر من ستمائة شخص من داخل وخارج المملكة من المشتغلين بأمور الثقافة، ومثل هؤلاء الحاضرين يهمهم زيارة معرض الكتاب لو أتيح لهم ذلك من حيث التوقيت، بل ربما يكون بعضهم من مؤلفي كتب معروضة هناك. وكذلك الحال بالنسبة لزوار معرض الكتاب وخاصة القادمين من خارج الرياض، فإن بعضا منهم على الأقل سوف يجذبه اهتمامه الثقافي إلى حضور بعض فعاليات المهرجان. وهكذا فإن كلا من هاتين المناسبتين ترفد الأخرى وتقوي الاهتمام بها وينتج عن ذلك كله موسم ثقافي زاخر بالفعاليات المتنوعة وجاذب لفئات كبيرة من المجتمع.
الخاطرة الثالثة
وما دمنا أشرنا إلى السياحة الثقافية فلعل منظمي المهرجان يتذكرون أن زوار الجنادرية يلزمهم وقت طويل وقطع مسافات متباعدة لكي يتمكنوا من مشاهدة أكثر ما يعرض فيها ولذلك يحتاجون إلى وقت للراحة والتسلية في مقهى رحب نظيف أو مطعم جيد غني بالطيبات أو رقعة خضراء مظللة، وربما يمكن تخصيص مساحة خضراء على ناحية من أرض القرية التراثية يقام عليها عدد من المطاعم والمقاهي الموسمية ذات المستوى الجيد. أما ما وراء ذلك من خدمات سياحية فلا أريد أن أكرر ما أورده الكاتبان المعروفان د. عبدالعزيز الجارالله في عدد الجزيرة الصادر يوم السبت 4-4-1431هـ والأستاذ جاسر الجاسر في عدد الجزيرة الصارد يوم الثلاثاء 7-4-1431هـ من اقتراحات جديرة بالبحث والاهتمام.
الخاطرة الرابعة
وهي خاطرة أوحى بها مهرجان الجنادرية لكنها ليست من أوجه نشاطه، إذ لا يماري أحد أن أهم أسباب نجاح الجنادرية ذلك الاهتمام وتلك الرعاية اللذان يحظى بهما المهرجان من القيادة العليا بالمملكة ورئاسة الحرس الوطني وما يحشد لذلك من تنظيم وإعلام وإمكانات وتركيز لفعاليات عديدة في مكان محدود وأيام معدودات، بحيث استطاع المهرجان أن يستقطب اهتمام المجتمع بأسره فيصبح مهرجاناً جماهيرياً. ذلك كله يوحي بأنه لو أمكن حشد مثل هذا الاهتمام والرعاية والتركيز للأنشطة الرياضية المتعددة على مستوى المملكة من أجل إقامة مهرجان للشباب والرياضة أو مهرجان رياضي وطني تنظم فيه في فترة محدودة من السنة مسابقات لمختلف أنواع الرياضة - ربما باستثناء كرة القدم لأنها تأخذ حقها من الزخم الجماهيري ولها مسابقاتها الوطنية التي تتوج سنوياً بالرعاية الملكية، في هذا المهرجان (أو الأولمبياد) الرياضي الوطني تجري المنافسة بين المتفوقين من المناطق للحصول على كأس بطولة اللعبة، ويتوج الموسم بتشريف الملك أو من ينيبه لتكريم الحائزين على ميداليات الفوز، وليس ضرورياً أن يقام مثل هذا المهرجان سنوياً بل الأفضل أن لا يقام سنوياً حتى يتوافر الوقت الكافي للتدريب والإعداد على المستوى المحلي ثم اختيار الأفضل في اللعبة من كل منطقة للمشاركة في المسابقة الوطنية ضمن مسابقات المهرجان (أو الأولمبياد) الرياضي، من المؤكد أن مثل هذا المهرجان سوف يشحذ همم الرياضيين وطموحاتهم ويوقظ الاهتمام بالرياضة جماهيرياً - خاصة بين الشباب ولا ريب أن التخطيط لهذا المهرجان وتنظيمه يتطلب عملاً مشتركاً بين وزارة التربية والتعليم والرئاسة العامة لرعاية الشباب، لكنه عمل من أجل الوطن وشباب الوطن.