في تصريحه للـ «الجزيرة» أكد سمو الأمير سعود بن عبد الله بن ثنيان آل سعود رئيس الهيئة الملكية للجيبل وينبع رئيس مجلس إدارة سابك، أن شركة سابك حافظت على توازن السوق من أزمة الحديد، وأن الأسعار الحالية لحديد سابك مناسبة جدا، ومعلنة وموزعة على الجميع. وقال في رده على أحد الأسئلة:» لولا الله ثم وجود شركة سابك في السوق السعودية لكانت الكارثة أكبر»، وهذا ما نجزم به ونعيه تماما، ويدركه العقلاء، في الوقت الذي ينكره التجار الذين يرجعون سبب أزمة الحديد لها.
يبدو أن شركة سابك بعقلانيتها الإعلامية، ورفضها الدخول في مهاترات صحفية جرأت عليها الآخرين، ومكنتهم من خلق رأي عام مضاد، وقيادته نحو تحقيق أهداف ومصالح التجار.
سابك ينطبق عليها المثل الخليجي القائل «عومة؛ مأكولة ومذمومة» فآكليها من التجار والمستفيدين كُثر، إلا أنهم في مقدمة الناقدين!!.
المهندس محمد الماضي، الرئيس التنفيذي لشركة «سابك» أشار في تصريحات صحفية إلى « أن سابك قامت بواجبها، من خلال بيعها طن الحديد بسعر يصل إلى 2200 ريال، وهو سعر منخفض، إلا أن ذلك لم يصل إلى المواطنين، نظرا لجشع بعض التجار، الذين رفعوا سعره إلى أعلى من هذا الرقم في الأسواق»؛ وأضاف: أن «الحقائق هي الحقائق فسابك تنتج (10%) فوق طاقتها الإنتاجية، وتبيع بأقل الأسعار وتهتم كثيراً بالمسؤولية الاجتماعية، يسبق ذلك كله تنفيذ توجيهات خادم الحرمين الشريفين، لذا نحاول الوصول إلى سعر يحقق هذه الرغبات».
بعض التجار، الموزعين، والصناع يحملون سابك «مسؤولية خلق سوق سوداء للحديد، بسبب انخفاض أسعارها عن بقية أسعار الشركات الأخرى» وهو ما « دعا سماسرة الحديد إلى شراء الحديد من (سابك)، وبيعه في بقية المدن بأسعار قريبة من أسعار الشركات الأخرى).
يبدو أن أعين التجار استطاعت اختراق حصون مستودعات السماسرة البعيدة المحصنة، وعجزت عن مراقبة مستودعاتهم الخارجية، وما يقوم به بعض عمالهم، وسطاء السماسرة، الذين باتوا جزءا من لعبة الحديد المنظمة!
اتهام سابك بتسببها في أزمة الحديد اتهام مردود على أصحابه، (فلولا الله ثم سابك) لأصبحت السوق تحت رحمة التجار الذين لم يترددوا في رفع سعر الطن قبل عامين إلى مستوى 5000 ريال، وتجفيف الحديد طمعا بالمزيد، إلا أن نقمة الله كانت حاضرة.
اتهام التجار لسابك يمكن اعتباره اتهاما للحكومة على أساس أن الدولة تمتلك 70 في المائة من أسهم الشركة، وتسيطر على مجلس إدارتها، ولا يمكن أن تقبل الحكومة بالإضرار بمواطنيها، بل قامت بمساعدتهم بخفض أسعار الحديد إلى مستوى متدن مع ضمان الجودة، وهو ما لم يعجب التجار وبعض المستهلكين المُغرر بهم!!.
ما الذي يريده التجار؟ رفع الأسعار ولا شك!، وهي مطالبة تضر بالمستهلكين، وتحقق الفائدة القصوى للتجار.
قد تكون الزيادة المحدودة في الأسعار علاجا للأزمة الحالية، ولكن ماذا عن المستهلك؟، وماذا عن الأزمات المتوقع حدوثها بعد رفع الأسعار مستقبلا؟
زيادة الأسعار ستضمن لشركة سابك أرباحا إضافية، وهي أكثر المستفيدين منها، إلا أن الزيادة في الأسعار تحتاج إلى ترتيبات موسعة، أو ربما قرارا متوافقا مع التوجهات الحكومية الداعمة لمصلحة المستهلك، كما أن إيجاد سعر موحد للحديد قد لا يقضي على المشكلة نهائيا بل ربما يتسبب في خلق أزمات أخرى في مقدمها أزمة الغلاء الشاملة.
أعتقد أن الحل العاجل يكمن في تشديد الرقابة على السوق، الموزعين، وموظفي شركات التوزيع؛ وضمان وصول الحديد بكمياته الإضافية إلى المتعهدين وفق ترتيبات رقابية صارمة تمنع استغلال المخزون من قبل ضعاف النفوس أو الوسطاء، وتقديم دعم حكومي للمصانع الضعيفة من أجل تشغيل خطوط إنتاجها المتوقفة، ومساعدتها على العمل بكامل طاقتها الإنتاجية، وأن يُسمح لها ببيع منتجاتها لمقاولي المشروعات الحكومية وفق مواصفات خاصة لا تقل جودة عن حديد سابك، وهو ما سيحقق زيادة في الطلب على منتجاتها وسيؤمن لها إيرادات إضافية تساعدها في عمليات التشغيل، ويخفف الضغط على منتج سابك لمصلحة المستهلكين.
أما على المدى البعيد، فلا مناص من زيادة مصانع الحديد، والتفكير الجدي في عمليات الدمج المحققة للكفاءة الإنتاجية والربحية، خاصة أن المملكة تمر بفترة نمو حقيقية تجعلها في حاجة ماسة إلى التوسع في الإنتاجية.
وزارة التجارة والصناعة مطالبة بتشجيع، وتسهيل إجراءات إنشاء المصانع عامة، ومصانع الحديد، الأسمنت، ومواد البناء الأخرى على وجه الخصوص، وفتح السوق للإنتاجية المحلية وتشجيع رجال المال والأعمال على تنفيذ الأفكار الخلاقة، والمشروعات الاستراتيجية التي تضمن تلبية طلبات السوق المحلية، والتصدير في حال وجود الفائض الإنتاجي وفق إجراءات دعم، ورقابة حكومية تضمن إشباع السوق المحلية في المرتبة الأولى.
الصناديق الحكومية مطالبة أيضاً بمشاركة رجال المال والأعمال في تنفيذ المشروعات الاستثمارية الاستراتيجية التي تحقق الكسب الاستثماري، وتمنع حدوث الأزمات، وتساعد في تحقيق التنمية الوطنية على خلاف السندات الأجنبية التي تُسهم في دعم وبناء اقتصادا الدول الأخرى ولا تحقق لنا إلا الربح اليسير.
F. ALBUAINAIN@HOTMAIL. COM