أشارت دراسة صدرت حديثاً إلى أن نسبة القوة النسائية السعودية المشاركة في سوق العمل تبلغ 14.4 %. والمرأة نصف المجتمع، كما يقال، وتشير إحصاءات السكان في المملكة العربية السعودية إلى أن المرأة تشكل فعلاً نصف المجتمع. وتشير إحصاءات البطالة في المملكة العربية السعودية إلى أن معدلات البطالة في النساء تبلغ 26.9 % وفق إحصاءات عام 2008م. وعلينا أن نعترف بكل شفافية وأريحية بأن أسباب ضعف مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل، أو في النشاط الاقتصادي، هي في الغالب أسباب اجتماعية وليست اقتصادية، إذ إن هناك عقبات كأداء يضعها المجتمع، أو بعض فئاته، أمام عمل المرأة، ومشاركتها الفاعلة في النشاط الاقتصادي، ويتغاضى عنها عند البحث في معالجة ما يحدثه ذلك من خلل في سوق العمل، أو الاقتصاد عموماً. ولا يمكن، من وجهة نظر اقتصادية مهنية، أن يظل هذا العنصر المهم من عناصر الإنتاج بعيداً عن المشاركة الفاعلة في حركة عجلة الاقتصاد.
وبُعد المرأة السعودية عن المشاركة الفاعلة في سوق العمل خلق تشوُّهات كثيرة في الاقتصاد انعكست بالضرورة على حجم العمالة الوافدة في السوق، مع ما يُثار حول هذا الموضوع من ملاحظات اقتصادية واجتماعية وأمنية، وهي ملاحظات لا يمكن التقليل من شأنها. والعقبات الاجتماعية التي تقف أمام مشاركة المرأة السعودية في النشاط الاقتصادي كثيرة، منها اشتراطات الكفيل أو الوكيل أو ولي الأمر أو الوصي أو المندوب أو المعقِّب، وما أفرزتها تلك الاشتراطات من إشكالات، وتشوهات في الاقتصاد، وأثر كل ذلك على حجم الاستثمار، واستغلال الموارد المتاحة؛ إذ تقدر الإحصاءات أن حجم الأرصدة المالية المعطلة، غير المستثمرة، في البنوك التجارية السعودية، والعائدة للنساء، قد تصل إلى نحو 100 مليار ريال سعودي، وهي تشكل عائقاً عملياً أمام مشاركة المرأة الفاعلة في النشاط الاقتصادي، خاصة المنشآت الصغيرة. فهذه الاشتراطات عبء وتكلفة إضافية، ناهيك عن أنها تُوفر مناخاً مناسباً للابتزاز والغش والتأخير والمماطلة وغير ذلك. لذلك لا يمكن أن يستقيم وضع المرأة في الاقتصاد السعودي إن لم نتخلَّص من هذه الاشتراطات، ونعالج ما أفرزته من إشكالات، وذلك بكل شفافية وأريحية ووضوح بعيداً عن التشنُّج أو المزايدة على المبادئ. يجب أن نواجه هذه العقبات الاجتماعية غير المبرّرة التي لا تتَّفق مع وتيرة العصر، وليس لها تأصيل شرعي متفق عليه يمكن الاعتداد به، وإنما هي تشوُّهات اجتماعية فرضتها عادات وتقاليد لم تعد صالحة أو مقبولة أو مبرَّرة الآن. ولا يمكن أن نُشكِّك في سلوك المرأة السعودية أو التزامها الشرعي. وأعتقد أننا إذا تخلَّصنا من هذه الاشتراطات، وعالجنا الإشكالات التي أفرزتها في المجتمع، فإن المرأة السعودية ستكون قادرة على الإسهام والمشاركة الفاعلة في سوق العمل وحركة الاقتصاد. ولدينا نماذج كثيرة للمرأة السعودية العاملة، جسَّدت ذلك على أرض الواقع، وتسنَّمت، عندما أتيحت لها الفرصة، أعمالاً راقية داخل البلاد وخارجها، بمباركة وتشجيع من ولاة الأمر، أثبتت قدرتها وكفاءتها. لا يجب أن تكون المرأة عبئاً على المجتمع؛ فهي جزء من هذا الحراك الاقتصادي الذي يجب أن يفعَّل حتى نستطيع أن نحقق أهدافنا التنموية ونحقق ما يستحقه هذا المجتمع من رفاه اقتصادي مشروع. ولن يمس ذلك ثوابتنا الشرعية التي نحافظ عليها جميعاً ولا يمكن أن نفرط فيها أبداً. ونحمد الله - عزَّ وجل - على ذلك، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
رئيس (دار الدراسات الاقتصادية) - رئيس مجلة (عالم الاقتصاد) - الرياض