الأستاذ منصور الخريجي كاتب متمكن، ترك موقعه الأكاديمي مبكراً ليعمل في الإدارة والمراسم وحمل لقب «معالي» - وهذه إضافة لمن يعنيهم الوهج - ثم غادر موقعه الكبير لمنزله الصغير، وكتب في «الجزيرة» مقالاً ساخراً، أقسى ما فيه أنه لم يتلق أي دعوة رسمية منذ تقاعده حتى جاءته دعوة «جائزة الملك فيصل العالمية» التي لم يستطع الوصول لمقرها بسبب «التحويلات» التي لا تخلو من «تلويحات».
نبدو غير معنيين بالذاكرة؛ ففي موقع مشابه قام المسؤول البديل برمي كل متعلقات سابقه من صور وتعاميم وإنجازات في عملية إلغائية مقصودة، وفي حكاية ثالثة كان المسؤول الجديد يدني ويبعد وفقاً لعلاقة الموظفين بالرئيس السابق في معادلة عكسية ذات دلالة، وفي رابعة ظل اسم (خالد المالك) يقال - بهمس - تحسساً من أنه غادر الجزيرة (1984م) مغضوباً عليه، وتأبط مسؤول سابق قرار إعفاء زميل له ليسلمه بنفسه للمذيع قبل إعلانه مباشرة، ويقال: إنه لم يدخل الإذاعة سوى مرتين؛ هذه إحداهما، والمفارقة أنه يعيش - الآن - في غياب، ولم يفقد المُعفى الحضور، مثلما عاد «أبو بشار» ليقود إنجازاً جديداً في «الجزيرة» ذاتها، ولأن في الحديث عنه شبهة المجاملة فلا إضافة سوى كلمات صاحبكم عنه وقت ابتعاده في احتفال علني مشهود، وهو ما كان موضع ارتياح وانتقاد في آن واحد.
الحكايات متعددة، وفيها مساءلة لقيم مُغيبة وسلوكيات مَعيبة؛ فقد بات مصطلح (صداقة المنصب) ذا امتدادات توحي بأهمية تأمله، لا لأننا متفردون به؛ فكذا الناس من أزمانهم، ولكن لتجاهلنا أبجديات أخلاقية يسهم في ترسيخها المسؤولون المتنفذون أنفسهم حين ينسفون تاريخ أسلافهم أو يهمشون سابق وجودهم.
لو اُستثمر أسلوب الانتخاب في الجامعات وبعض مؤسسات المجتمع المدني بصورة تصاعدية؛ فعم كثيراً من القطاعات لربما تضاءل حجم الكرسي لدى من يقدسونه، ولكن ليست هذه المشكلة؛ فالناس تبحث عن مصالحها، وتتعلق بمن هم في بؤر الضوء ومن يستطيل لديهم الفيء، غير أن غياب الوفاء بحق المغادرين لدى حواشيهم الذين كانوا يستنيرون بهم ويستظلون عندهم يوحي بخلل في السلوك المجتمعي، وليس أردأ من أن تغيض قيم الوفاء وتفيض غيوم المصلحة التي تشبه سحائب صيف.
للحكايات مفارقات حين يعود مسؤول سابق لكرسيه، وقد حصلت على أرض الواقع، وكان ملفتاً رصد ردود أفعال «المدير والمدارين»؛ ففيها ملامح الانتقام والانكسار، والتغيير والتبرير، والتشفي والتخفي، ومراسم من الفرجة ومواسم من التزلف، ولو استنطق الصمت في صدور «الجوقة» لاصطدم بالصوت؛ فالوجوه المسفرة هي ذاتها الباسرة، وصراع الذات منشؤه تناقض الصفات.
ابتدأنا بالأستاذ الخريجي؛ فنعود إليه؛ فلعله - وهو صاحب قلم رشيق أنيق - يعود إلى الكتابة الصحفية، وسوف نضمن له دعوات متصلة لا تنقطع مثلما كانت تأتيه في المراسم الملكية على ألا يقول بعدها: «يا ليتنا من حجنا سالمين»؛ فقد ذهب بريق المناسبات، ولم يعد اسم المسؤول «الحالي» كفيلاً باستجلاب الحضور أو استحلاب السرور.
النسيان ذاكرة متعبة.
Ibrturkia@gmail.com