اللقاء السنوي لمحاميي الرياض الذي عُقد منذ أيام، كان مناسبة للمحامين للتعرّف على معالي وزير العدل الدكتور محمد العيسى عن كثب والتعرّف على توجهاته المرحلية والبعيدة المدى.
كنت وأنا أستمع إلى كلمته وتعليقه على المداخلات وردوده على الأسئلة، كمن يعيش تحقق أحلامه، فهيئة المحامين رُفع مشروعها إلى المقام السامي، وتدوين الأحكام الفقهية (التقنين) في طريقه للإنجاز وباكورته هو نظام للأحوال الشخصية، وسوف يتم نشر المبادئ التي استقرت عليها محاكم التمييز والمحكمة العليا وفقاً للنظام القضائي الجديد، مما يُعد مزاوجة بين النظامين الأنجلوسكسوني واللاتيني، والترخيص لعددٍ من المحامين بإصدار الوكالات وتوثيق العقود التي هي في رأيه أقل خطورة من عقود الأنكحة التي رُخص بإجرائها للقطاع الخاص.
معالي الوزير، تحدث بإيجابية عن المحامين، فقد تبنى بثقة ما يصف به المحامون أنفسهم من أنهم القضاة الواقفون وأنهم معاونو القضاة على تحقيق العدالة مما أعاد الثقة للمحامين في أنفسهم وفي دورهم الذي أنيط بهم في نظام المحاماة، وكسر الحاجز الزجاجي بين (المرخص) و(المرخص له) ووثق العلاقة والتكامل فيما بينهم.
كل ما أثير من مواضيع في اللقاء من قِبل المحامين كان إما أن الوزارة تدرسه، وإما أنها قد أعدت فعلا دراسة عنه، مما أشعر المحامين أن وزارة العدل قد سبقتهم بمراحل في تقويم المنظومة العدلية واقتراح الحلول لعددٍ من الاستحقاقات التي تسهم في ترتيب وتطوير البيئة العدلية، إلى درجة أن وزارة العدل بدأت في دراسة اشتراط تولي المحامي دون غيره المرافعة في القضايا مع سن نظام للمعونة القضائية يتولى فيه المحامون المرافعة مجاناً عن غير القادرين مالياً على دفع أتعاب المحاماة، وهو ما رحب به عدد كبير من القضاة الذين لاحظوا أن وجود المحامي يؤثر إيجاباً في استجلاء النزاع وحصره في مقطعه وسرعة البت فيه.
ومما يستحق التوقف عنده، وهو الشكوى المستمرة للمواطن من الدعاوى الكيدية والدعاوى بلا بينة، مما حدا بالوزارة إلى البدء في دراسة فرض رسوم عند رفع الدعوى يُحكم بها على الخاسر أو تقسم بين المدعي والمدعى عليه حسبما ينتهي إليه النزاع.
لقد بدا لي من حديث معالي الوزير، أن الوزارة قد زاوجت بين سياسة العلاج وسياسة الوقاية، فها هي تدرس إنشاء محاكم للتوفيق بين الخصوم تنظر في الخصومة وتحاول التوفيق بين الخصوم، فإن لم تنجح أحالت النزاع إلى المحكمة المختصة، وقد أبانت حسبما أفاد معاليه دراسات المقارنة الميدانية أن تطبيق هذه السياسة الوقائية للحد من عدد القضايا في عددٍ من الدول قد قلصت عدد القضايا لدى المحاكم إلى حد كبير.
ما شدّ انتباهي هو الابتسامة التي لم تفارق وجه معاليه، وهو يستمع إلى مداخلة من أحد المحامين وصف فيها القضاة بالقسوة على المحامين ومعاملتهم معاملة غير لائقة، والأمر بتوقيفهم في بعض الأحيان أو طلب تأديبهم من جهة غير مختصة بذلك والمنصوص عليها في نظام المحاماة، وانتهى بالمطالبة بمنح المحامي الحصانة.
لقد فهمت من تعليق معاليه على هذه المداخلة أن حصانة المحامي بيده، سلوكه واحترامه لمجلس القضاء وبُعده عن اللدد في الخصومة هو الذي ينسج حصانته، ومع هذا فإن المجلس الأعلى للقضاء ممثلا بدائرة التفتيش القضائي هي الجهة المختصة في نظر الدعاوى ضد القضاة، ومعلوم أن الدعوى تحتاج إلى إثبات.
المحامية كان لها نصيب من ذلك الحوار، فلقد فهم الحاضرون أن هناك دراسة للترخيص للمرأة بمزاولة مهنة المحاماة، وبعد أن أكد معاليه أن نظام المحاماة لا يميز بين الجنسين، إلا أن الدراسة ولبواعث محددة قد توصي بالترخيص للمرأة للمرافعة والمدافعة عن المرأة، وعلى الرغم من أن ذلك من وجهة نظري خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أنني لم أتبين العلة في قصر مدافعة المحامية على المرأة، ما دام أن المحامي يدافع عن الجنسين وقد تقبّل القضاة وقوف المحامية أمامهم.
حيّوا معي معالي وزير العدل لغزارة علمه مع تواضعه وشفافيته مع حزمه وتواصله مع أثافي البنية العدلية.