كثيراً ما أتخيّل وجه المرآة الآخر لهم، أولئك المشاهير, ذوو الكلمة، والجاه فوق الأرض, كيف يتصرّفون بعيداً عن الضوء، في جلساتهم مع أنفسهم، وبين خاصّتهم، مع مرؤوسيهم، والمقتربين منهم.., في لحظات ضعفهم، وخوفهم، وفرحهم، مع خادم يختص بتقديم كأس الماء حين يعطشون، ولقمة الزاد حين يجوعون، وحبة الدواء حين يمرضون، وقميص الكساء حين يستترون، ووسادة النوم حين يهجعون، ومفتاح المكان حين يتوجّهون، وحذاء السير حين يخطون..,
وحلاّق يتصرّف برؤوسهم حين تصفيف، وطباخ يؤلف وجباتهم يبتكر لمذاقاتهم, وسائق يرافقهم الدروب واتجاهات المقاصد العلنية، وحائك وحده من يقترب، وله أن يصمم ما يشف عن مظهرهم، ومرافق عند حركاتهم يسبقها أو يلحق بها، وحين يستكينون تلمع اليقظة في سلاماته ووعيه..,...
كيف يتعاملون مع هؤلاء بعيداً عن عيون الناظرين..؟ ما يقول عنهم أولئك..؟
ما يقول عنهم ابن هو أول مسؤولياتهم وآخر رجاءاتهم..
وزوج هو أقرب معارفهم، وأولى بهم..؟
وجار، وقاصد، وطالب، يجدهم عند موقف أو لا يجدهم..؟
ما مدى تطابق الصورة الخلفية لهم مع تلك خلف الأضواء..؟ ما سلوكهم التلقائي بعيداً عن الأنظار..؟ ما الذي يحرصون عليه في تعاملهم يمثل عاداتهم، ويكشف ضعفهم وقوّتهم..؟ هل هم عادلون، متواضعون، مبادرون، ثرثارون، صامتون، غاضبون، متجهّمون..؟
هل هم شرهون في الأكل، نزقون في تقبُّل المواقف الصغيرة، أو حليمون، نفوسهم كيف ألوانها وأحوالها..؟ ألسنتهم كيف ألفاظها وجُملها..؟ أفكارهم كيف صفاؤها وعكرها..؟ ما قناعاتهم بما يفعلون في الظاهر المعلن, كيف هو جأشهم..؟ ما الذي يغضبهم، ما الذي يطفئهم..؟
متى يثبتون، وما الريح التي تنتزعهم..؟.. متى يستيقظون..؟ ما الذي يحبون، ويكرهون.., من ينال رضاهم فيقربونه..؟، ومن يسخطون عليه فيقصونه..؟ ما معايير ذلك..؟ ما يقرأون؟ وكيف يقضون لحظاتهم الفارطة..؟ ما الوجبات المحببة لهم وما التي يرفضونها..؟.. ما أذواقهم في اختيارات الألوان والأشكال في ملبسهم ومجلسهم ومركبهم ومتكئهم..؟
هؤلاء، من بيدهم شأن القرار، أو بيدهم شأن العمار، من يفترض أن تكون بأيديهم مفاتيح المدن الفاضلة والطرق السعيدة للإنسان، من السياسيين والاقتصاديين، والمبدعين والمبتكرين، من الفنانين والمفكرين، من المخططين للحياة والقائمين بصناعات مفاتيحها،, ما يقول عنهم من يقف على الوجهين الحقيقيين للمرآة تنتصب بينهم وحقائقهم..؟
وما يحمله هذا الوجه الآخر للمرآة من حقائقهم..؟