ولد أفلاطون في اثينا عاصمة اليونان وكان يحلم بالمدينة الفاضلة ومرت السنون ولم يتحقق حلمه لكنها شيدت حضارة مبهرة ومعالم تراثية وسياحية خلابة، ثم جاءت الوحدة الأوروبية لتعزز من الرفاهية في المدينة ويذكر أن الخطيئة الاقتصادية الكبرى لاثينا هي (أولمبياد 2004م) الذي كلف 10 مليارات دولار الأعلى منذ 108 أعوام، ثم جاءت الأزمة المالية العالمية لتبدد أحلام اليقظة ليس فقط لليونانيين بل لمنطقة اليورو أيضاً ويحكي الإعلام الأوروبي عن توقعات بأن تقوم اليونان ببيع بعض من جزرها الخلابة للحفاظ على شيء من حضارتها القديمة. والمستثمر لا يعلم كيف السبيل إلى الإنقاذ من ثلاثة بدائل مطروحة في المنطقة ومعروف أن أسواق المال لا تؤمن بالضباب، حيث كانت أوامر البيع بأمر السوق جاهزة مكنت اليورو من أن يختار الاتجاه الأسهل له وهو(الهبوط) وهو يستنجد حالياً بقمة أوروبية تعقد لأجله، هذا تزامن مع مؤامرة بين الصين والهند على كبح جماح النمو مما ضايق تجار النفط نوعاً ما، ولمزيدٍ من التفصيل نأخذ جولة اقتصادية نروي خلالها أحداث الأسبوع الماضي لنعرف ماذا يدور خلف أهم العملات الأجنبية في العالم.
الدولار الأمريكي
عنفوان الدولار المغلف بالبطش مسيطر على الأسواق حيث يعانق حالياً مستوى 81.3 أمام سلة عملاته ولن نتحدث كثيراً عن حركته الفنية حيث الرسم البياني يشير بكل وضوح إلى الاتجاه الصاعد القوي، أما المتحوطون حزموا أمتعتهم من الذهب بسبب تضارب الأنباء بين شراء المركزي الهندي والبيع المرتقب لصندوق النقد الدولي، وبخصوص النفط المسار الجانبي حليفه الآن بسبب رفع المركزي الهندي أسعار الفائدة لأول مرة منذ عام ونصف العام وهو يحاكي بالمركزي الصيني لكبح جماح التضخم وكأنهما يتآمران على النمو وشتان بين أسياد آسيا الجدد ومن يبحث عن هذه النعمة العظيمة، هذا من شأنه أن يحد من الإنفاق الاستثماري والتمويل المصرفي في الاقتصاد، وبالتالي يقل الطلب على النفط ولا سيما أن وكالة الطاقة الأمريكية أعلنت عن ارتفاع مخزوناتها من النفط إلى 7.3 مليون برميل، وهذا يعطي الدولار المزيد من الزخم للأسبوع القادم.
أما بالنسبة إلى الأرقام الاقتصادية فقد افتتح الأسبوع بتراجع أسعار المستهلكين (سنوي) لشهر فبراير لتصبح 2.1% بسبب الرفع الأخير لفائدة القروض الطارئة أما طلبات الإعانة منتصف مارس الحالي تراجعت إلى 457 ألفاً مع نمو طلبات السلع المعمرة 0.9% تظهر رغبة في امتلاك السلع ذات النفس الإنتاجي الطويل مما ساعد مؤشر الداوجونز في تحقيق قمة جديدة، ولا ننسى مبيعات المنازل الجديدة التي تراجعت 2.2% لكن بوتيرة أقل من القراءة السابقة التي تراجعت 11.2% بسبب الدعم الحكومي المقدم للقطاع عن طريق برنامج الإعفاء الضريبي الذي اشتمل على إعفاء المشترين للمنازل لأول مرة من الرسوم الضريبية والوضع بشكل عام في أمريكا يشير إلى استقرار اقتصادي متزن ومقصود.
اليورو مقابل الدولار الأمريكي
الاتجاه هابط والدماء ما زالت تسيل مع قاع جديد عند 1.33 يبدو غير كافٍ ولم يشبع رغبات البائعين حتى الآن، لكن من المرجح وضمن الاتجاه الهابط الحالي أن يستمر ويسجل قاعاً أشد ألماً عند 1.29 حيث لم تظهر أي بوادر فنية لتغيير الاتجاه.
الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي
صحيح أن الزوج فشل في العودة إلى قناته الهابطة الموضحة بالرسم البياني لكن العزوم البيعية بدأت تخف ويتوقع أن يكون مستوى 1.47 دعماً مستمراً للأسبوع القادم لكن تم رصد عمليات بيع على المكشوف أملاً بالاستفادة من إمكانية تحقيق أرباح قصيرة المدى خلال الأيام القليلة القادمة.
الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني
عشرة أشهر من الهبوط الأليم انتهت بحدث كبير وانتصار شبه مؤكد للمشترين تم على إثره اختراق الاتجاه الهابط عند 90.55، ومن الممكن جداً أن نستمتع برأي مشترين قد تفتتح فعالياته الأسبوع القادم ومن الحصافة إبرام عقود شراء مفتوحة في هذا الزوج.
اليورو
نبدأ باليونان وعاصمتها (أثينا) حيث الحضارة المهددة بالاضمحلال بسبب ديونها وعجزها الذي فاق 12% من الناتج المحلي الإجمالي والكلام ينطبق على أخواتها المتعثرات (البرتغال، إيطاليا وإسبانيا) وسط جدل واسع بين بدائل الإنقاذ هل ستتلقى مساعدات من صندوق النقد الدولي أسوة بدول العالم الثالث أم سيستيقظ المركزي الأوروبي من سباته ليرمي بحبال الإنقاذ أو ستكتفي بخطة التقشف الاقتصادي من حكومتها؟ هذا التشويش وعدم الوضوح لا تعترف به أسواق المال حيث أوامر البيع بأمر السوق تتهدد! ومع انكماش أسعار المنتجين في ألمانيا على المقياس السنوي لشهر فبراير إلى 2.9% زادت الأمر سوءاً ولم يجد المستثمرون رقماً يغير من الاتجاه الحالي إلا مؤشر مديري المشتريات الصناعي الذي ارتفع إلى 59.6 لكن للأسف اليورو فضل الاتجاه الأسهل له وهو الهبوط.
الجنيه الإسترليني
بدأ أسبوعه بتثبيت برنامج شراء السندات الحكومية عند 200 مليار جنيه يلي ذلك هبوط في أسعار المستهلكين على المقياس السنوي لشهر فبراير ليصبح 3% بسبب تراجع قطاع الإسكان أما مبيعات التجزئة على المقياس نفسه والشهر نفسه ظلت مستقرة عند 3.7% مع استقرار معدلات الاستهلاك للأفراد كذلك مؤشر BBA للقروض العقارية عاد ليرتفع إلى 35.276 موافقة عقارية مما يرجح أن تكون أسعار المنازل قد اكتفت من هبوطها الأخير هذا يعطي انطباعا بتحسن أسعار المستهلكين في النتيجة القادمة أيضاً ننتظر وبشغف مبيعات التجزئة التي سيستفيد منها سوق الأسهم إن كانت إيجابية، وهذا مرجح وخلاصة كل هذه المعطيات تشير إلى إمكانية أن نرى استقراراً نسبياً للعملة الملكية الأسبوع القادم.
الين
بعد أن ضاعفت اليابان برنامج الإقراض الأسبوع الماضي وانفتحت شهية اليابانيين في الأسواق جاءت أرقام الميزان التجاري للسلع لتظهر ارتفاعاً مذهلاً وكبيراً جداً في الفائض بقيمة 651 مليار ين بسبب تفوق الصادرات على الواردات نتيجة ابتلاع الصينيين السلع من على سواحل طوكيو، وعلى الرغم من ندرة البيانات من حيث الكم إلا أنها كانت فعالة من حيث الكيف هذا ساهم وبقوة لارتفاع جميع الأصول ذات العائد المرتفع، وهبط على إثر ذلك الين لأن العلاقة عكسية حيث استبدل الين بالأصول خصوصاً (الأسهم) وننتظر نتيجة أسعار المستهلكين، حيث التوقعات تشير إلى ارتفاعها. (تم إعداد هذا التقرير منتصف جلسة الأسواق اليابانية يوم الخميس الماضي الساعة 4 صباحاً بتوقيت جرينتش)
تحليل: وليد العبدالهادي
محلل أسواق المال
waleed.alabdulhadi@gmail.com