قد يُنظَرُ إلى بعض قضايا الإرهاب المتفرقة باستقلالية عن بعضها البعض، إلا أن قوى الأمن المحترفة لا تقبل، في الغالب، لملمتها دون تتبع خيوطها المتقاطعة، وعلاقاتها المتشعبة. تعاني المملكة من قضايا الإرهاب الموجه من الخارج، وتشهد القطاعات المصرفية في بعض الدول العربية نشاطاً مستتراً لغاسلي الأموال الباحثين عن الربح السريع، في الوقت الذي تخطط فيه جهات استخباراتية أجنبية، من خلال جماعات منقادة، لاستهداف منشآت النفط السعودية وتقويض الأمن فيها.
يمكن الربط بسهولة بين عمليات غسل الأموال، تمويل الإرهاب، واستهداف المنشآت النفطية السعودية، عصب الاقتصاد، وعموده الفقري. لا يمكن تنفيذ العمليات الإرهابية دون الحصول على التمويل اللازم لشراء الأسلحة والمتفجرات، تجنيد الإرهابيين وإيوائهم، والتغطية على أنشطتهم المشبوهة. حرب الجنوب لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه دون التمويل المالي الذي أمن للإرهابين المتسللين الأسلحة والمتفجرات اللازمة، تجنيد المرتزقة، والتقنية الحديثة التي لا تتوفر في الغالب إلا للجيوش النظامية التابعة للدول الغنية.
أما التمويل المالي فما كان ليصل إلى أيدي الإرهابيين المتسللين وأعوانهم دون مروره عبر قنوات غسل الأموال التي نجحت في تمريره بالرغم من تشديد الرقابة على مصادر التمويل المشبوهة. كان لافتاً أن يأتي التمويل من دول خليجية، وجماعات في الداخل متواطئة، عبر قنوات خارجية، كشفت السلطات اليمنية عن بعض تفاصيلها. كنت تحدثت في مقالة سابقة عن أخطر قنوات تمويل الإرهاب، المرتبطة بغسل الأموال والتي تمر من خلال شخصيات مهمة، يتمتع بعضها بالحصانة.
هيئة الادعاء في مملكة البحرين فتحت تحقيقا موسعا في قضية أمنية قالت إنها مرتبطة ب(قضايا غسيل أموال تتعلق بصفقات أسلحة واإتجار بالمخدرات). تقارير صحفية بحرينية ذكرت (أن المبالغ التي يجرى التحقيق بشأنها تتراوح بين 12 و80 مليون دولار، وأن الحرس الثوري الإيراني كان إحدى الجهات المستفيدة (لم تكن تلك العملية فردية في مضمونها بل كانت على علاقة بشبكة متغلغلة في بعض الدول الخليجية، الأوربية، والآسيوية. قطعا لا نقول بعلاقة تلك العملية، بالعمليات الإرهابية التي حدثت على حدودنا الجنوبية، إلا أن ربط الإعلام البحريني لها ب (الحرس الثوري) يجعلها عرضة (للشبهات والشائعات). عمليات غسل الأموال أكثر تعقيدا من أن يستوعبها المنفذون أنفسهم، وهناك فصل متعمد بين مراحل التوظيف لإخفاء الهدف الرئيس الذي ربما حال كشفه دون قبول غاسل الأموال تنفيذ العملية لنواحي وطنية، أمنية، سياسية. الأكيد أن جزء من الأموال القذرة كان يمثل التمويل الأهم لجماعات القاعدة في اليمن المسؤولة عن التخطيط لاستهداف أمن المملكة، ومنشآتها النفطية. الحكومة اليمنية اتهمت إيران صراحة بتمويل الإرهابيين على أراضيها وكشفت عن سفينة إيرانية محملة بالأسلحة كانت في طريقها إلى مناطق (الحوثيين).
سيطرة الاستخبارات الأجنبية على بعض الدول الإفريقية المطلة على البحر الأحمر ساعد في تحويل تلك الدول إلى مناطق دعم وتمويل للجماعات الإرهابية في اليمن، المسؤولة عن استهداف المنشآت النفطية في الداخل. جماعات تنظيم القاعدة لم تكن مصدر التهديد الوحيد بعد ثبوت علاقتها بالحرس الثوري الإيراني، بل باتت جزء من منظومة الجماعات الإرهابية المتفرقة المرتبطة بالقيادة الثورية، والاستخبارات الأجنبية الأكثر حرفية وسيطرة على التنظيم.
وزارة الداخلية السعودية، وبكفاءة أمنية، نجحت في تفكيك خلايا إرهابية من 113 شخصا خططت لاستهداف منشآت نفطية ورجال أمن مرتبطون بتنظيم القاعدة في اليمن. استهداف المنشآت النفطية كان غاية الإرهابيين منذ البدء في أنشطتهم الإجرامية، لتقويض الأمن، ضرب الاقتصاد، إضعاف الدولة، وجر المملكة لقضايا دولية معقدة تحت ذريعة حماية آبار النفط، ومن هنا يُصبح الربط الاستخباراتي بين قضايا غسل الأموال، تمويل الإرهاب، عمليات القتل والتفجير، واستهداف المنشآت النفطية السعودية يسيرا على كُل ذي لب. ويمكن للجهات الأمنية تحديد جهات التمويل، التخطيط، التنفيذ، والدعم اللوجستي بسهولة.
تنظيم القاعدة، الجماعات الإرهابية، شبكات غسل الأموال وتهريب الأسلحة، الجماعات الممولة، والاستخبارات الأجنبية تتحرك فيما بينها وفق أجندة خاصة، في ظاهرها التباعد، وفي باطنها العلاقة الوثيقة التي لا يمكن لأي منها تحقيق النجاح بمعزل عن الأطراف الأخرى، وإن ادعت الاستقلالية!.
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM