د. حسن أمين الشقطي(*)
بهدوء وسكينة أغلق مؤشر السوق عند 6757 نقطة رابحا نحو 83 نقطة هذا الأسبوع، ولتصل مجمل أرباحه منذ بداية العام 635 نقطة أو ما يعادل 10.4%.. وقد أبدى المؤشر تماسكاً شديداً في رحلة صعوده خلال الأيام الأخيرة.. وظهرت هذا الأسبوع لأول مرة منذ فترة طويلة بوادر دخول لرؤوس أموال جديدة للعديد من المحافظ الاستثمارية النائمة.. وهذه المحافظ النائمة لم تتحرك من فراغ، ولكن تحركت بناء على العديد من المحفزات الإيجابية، فبداية لا تزال أنباء قرب إطلاق صناديق المؤشرات تقود حالة من التفاؤل، وبخاصة أن هذه الصناديق ستعمل من خلال صانع سوق.
ثانياً: فإن تصريحات معالي الدكتور عبد الرحمن التويجري ببورصة نيويورك أكدت مدى قوة سوق الأسهم المحلية وتميزه عن كل الأسواق الخليجية، وأظهرت أن التوجه الحالي هو انطلاقة السوق نحو العالمية.. كما أن تصريحات معالي رئيس هيئة السوق إنما تؤكد اكتمال الإصلاحات الأساسية التي مكنته من عرض السوق لأول مرة أمام بورصات أجنبية.
أما ما هو أهم، فهو ملاحظة أن هيئة السوق بدأت تأخذ خطوات جدية للخروج من شرنقة الماضي على الرغم من قوة جدران هذه الشرنقة، وبخاصة في ظل قرارها بإطلاق صناديق المؤشرات، التي نعتقد أنها بها تصطاد أكثر من عصفور بحجر واحد.. فمن ناحية هي تطلق قناة استثمارية للمستثمرين الأجانب.
ثانياً: فإنها تدعم (وربما تنقذ) شركات الوساطة الجديدة من مأزقها الصعب وبخاصة في ظل الخروج التلقائي لكثير منها.
ثالثاً: فإنها توجد مساراً استثمارياً جديداً لصغار المستثمرين أقل مخاطرة ومضمون العائد إلى حد كبير.. كيف ولماذا هذه الخطوة الآن بالتحديد؟
لماذا تحركت السيولة النائمة الآن وليس قبل ذلك؟
على الرغم من أن مؤشر السوق ربح خلال العام الماضي ما يناهز 28%، وعلى الرغم من أن مسار المؤشر لم يكن نزولياً منذ أكثر من أربعة أشهر، فلماذا لم تتحرك السيولة النائمة إلى السوق سوى هذا الأسبوع؟ ما الجديد؟ وما الجوانب التي طمأنت المستثمرين لكي يحركوا سيولتهم بهذا الشكل المتسارع؟ في اعتقادي أن السيولة النائمة لم تستفق إلا عندما أعطت هيئة السوق الضوء الأخضر بأنها قد أتمت إصلاحاتها، وأطلقت صناديق مؤشراتها، فصانع السوق أكبر دليل على أن هيئة السوق تتقبل الآن وجود صانع توازن بالسوق.
ظاهرة هروب السيولة من الأنشطة الأخرى «العقار» وعودتها إلى سوق الأسهم
-حدثني أحد الأصدقاء من مستثمري العقار، من أولئك الذين هربوا من السوق في منتصف عام 2007، إلى السوق العقاري، أنه ذهب إلى كتابة عدل خلال بداية هذا الأسبوع بالرياض، ودهش عندما وجدها فارغة تماماً، فكتابة العدل التي كانت تأخذ من يوم ليومين، أتمها خلال نصف ساعة بلا عناء.. وتساءل في نفسه ما الذي حدث؟ ولم يستطع الإجابة، في اعتقادي أن الإجابة سهلة، وهي أن انتعاش سوق الأسهم هو السبب.. الآن الكثير من العقاريين يسعون لتصفية مساهماتهم أو أملاكهم سريعاً للحاق والركوب في موجة الصعود الحالية للسوق.. وهذا الأمر لا ينطبق على العقاريين فقط، بل بدأت السيولة تنسحب من عدد من الأنشطة متوجهة لسوق الأسهم.. وربما يتسبب ذلك في ظهور مواطن عجز في السيولة في بعض الأنشطة، ذات الحجم المتوسط، وعلى رأسها قطاع البناء والتشييد والمقاولات.. وتوجهات السيولة الجديدة لسوق الأسهم قد لا تظهر الآن ولكنها في اعتقادي ستتضح قريباً.
كم حجم السيولة النائمة العائدة للسوق؟
توجد هناك علاقة طردية وقوية بين المستوى الذي يبلغه مؤشر سوق الأسهم وحجم السيولة العائدة للسوق، وهذه العلاقة تسير في اتجاهين، فمن ناحية نجد أنه كلما ارتفع مؤشر السوق في مساره الصاعد الجديد، اجتذب سيولة نائمة أعلى.. وفي الوقت نفسه كلما اجتذب السوق سيولة جديدة من خارج السوق، استعجل الصعود، وتعرض لجني أرباح ودخل في مسار هابط.. وفي الاعتقاد أن السيولة المتداولة مرشحة قريباً للعودة إلى مستويات تداول في حدود خمسة مليارات خلال الأيام القليلة المقبلة.. ولكن طرح اكتتابات جديدة خلال الشهرين المقبلين قد يؤدي إلى توازن السيولة الجديدة مع حجم العروض المتاحة من الأسهم، وبالتالي يحفظ مؤشر السوق من الصعود المبالغ فيه، وبالتالي يحفظه من جني أرباح عنيف.
متى سينطلق المؤشر بقوة أعلى من الحالية؟
على الرغم من بدء دخول عدد من المستثمرين الجدد إلى السوق، إلا أننا حتى الآن السيولة لم تبلغ السقف الذي عنده توجد الكثير من الطلبات على الأسهم الاستثمارية، ولا يوجد من يبيع.. هنا وعند هذه النقطة سوف تنطلق أسعار العديد من الأسهم (تقودها أسهم قيادية) بعنف عن الوضع الحالي، وسيبدأ المؤشر في القفز بمعدلات أقوى من الحالية..
والسؤال الأهم: هل سُيترك المؤشر للتحرك خلف الأسهم القيادية الكبرى أم سيُقيد من خلال بضعة أسهم ثقيلة أخرى؟
صناديق المؤشر وإنقاذ شركات الوساطة الجديدة
أعلنت هيئة السوق عن خطوة تعد الأكثر عدالة لمساعدة شركات الوساطة المالية الجديدة التي تعاني الأمَرين من المنافسة غير العدالة بينها وبين شركات الوساطة التابعة للبنوك المحلية.. ويمكن لنا تقصي مدى المأزق الذي وقعت فيه هذه الشركات من خلال معرفة أنه على الرغم من وجود نحو 110 تراخيص وساطة بالسوق المحلي، إلا أنه لا يعمل فعلياً بالسوق سوى (37) شركة.. أما ما هو أصعب فإن أكبر شركة من شركات الوساطة المستقلة (غير البنكية) لم تساهم سوى بنسبة 0.99% من إجمالي القيمة المتداولة بالسوق خلال شهر فبراير.. بل إن كل شركات الوساطة (غير البنكية) لم تساهم مجتمعة سوى بنسبة (4.7%) من إجمالي القيمة المتداولة بالسوق.. ولما كانت شركات الوساطة بدأت نشاطها منذ فترة ليست قصيرة.. فيمكن القول إن هذه الشركات فشلت فشلاً ذريعاً.. وبعبارة أخرى، فإنها لم تقو على منافسة شركات الوساطة التي تنتمي للبنوك المحلية.
من هنا جاءت خطوة هيئة السوق لدعم شركات الوساطة الجديدة، وفتح مجالات تستطيع فيها منافسة شركات البنوك والبقاء بالسوق.. وهيئة السوق ربما تستهدف من ذلك الحفاظ على الوضع التنافسي بسوق الوساطة، والسعي لكسر احتكار الشركات البنكية، لأنه لو فشلت شركات الوساطة الجديدة، فسيعود الاحتكار البنكي والأدوار المزدوجة للبنوك للظهور من جديد.
جذب رؤوس أموال صغار المستثمرين من جديد
كلنا نعلم أن لائحة صناديق الاستثمار الجديدة فشلت في جذب صغار المستثمرين لصناديق الاستثمار على الرغم من كل ما أقرته من شفافية وإفصاح، حيث إن الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها هذه الصناديق خلال السنوات الأربع الأخيرة أدت إلى هروب جماعي من الصناديق، وبالتالي فقد أدت إلى فقدان السوق لسيولة استثمارية تعد أكثر استقراراً من سيولة المتداولين بسوق الأسهم.. ففي نهاية الربع الأول من عام 2006 وصلت السيولة المتداولة في صناديق الاستثمار إلى نحو 91.4 مليار ريال، في مقابل أنها لا تزيد الآن على 15.1 مليار ريال.
من هنا فإن هيئة السوق تهدف من وراء إطلاق صناديق المؤشرات أيضاً إلى استعادة نحو 76 مليار ريال هربت من صناديق الاستثمار.. وعلى الرغم من أننا جميعنا نعلم أن جزءاً من هذه السيولة قد تطايرت في الهواء كخسائر، إلا أن جزءاً منها خرج مغادراً الصناديق إلى وجهات استثمارية أخرى.. هذه السيولة تعد أهم من سيولة التداول المباشر للسوق لأنها سيولة ارتكاز تساند السوق، وعليها بعض القيود التي تمنع خروجها السريع.