يشهد عالمنا المعاصر تغيُّراً مطرداً على مختلف الأصعدة الاقتصادية، والعلمية، والتقنية, وتتنافس الكثير من الشركات والمؤسسات الإنتاجية عبر هذا الزخم المتصاعد من التغيرات لتؤمّن لها موطئ قدم في هذا الصراع على كسب المستهلك وثقته, ومما يترتب على كل الشركات أن تقوم بتكييف أقسامها وعلاقاتها وأساليب عملها للظروف البيئية المحيطة بها من كل جهة, وإلى مواكبتها للأساليب والطرق التكنولوجية الحديثة من جهة أخرى, كي تتمكن من تحقيق أهدافها وتأدية مهامها على الوجه الأكمل.
فلا بد من إعادة ترتيب الأوراق وإعادة النظر في التنظيم لمواكبة تلك التغيرات السريعة، ومراجعة وظائف وهيكل وإدارة الإدارات العاملة في الشركة, والإجراءات المتبعة, وعلاقات الأفراد القائمة, وسلوك العاملين، وانسياب الاتصالات فيها، وغيرها من أجزاء وأركان الشركة المختلفة، وهو ما يُطلق عليه مصطلح «إعادة التنظيم» في أدبيات الإدارة، والذي شاع في الآونة الأخيرة.. وأصبح في تصاعد مستمر، في ظل التغييرات الاقتصادية والتقنية، مما جعل من هذه العمليات ضرورية، وذلك لتبقى ثابتة الدعائم، مرنة في تطبيق إجراءاتها، سريعة في تكيفها.
لقد اعتبرت برامج الإصلاح الإداري أن عملية إعادة التنظيم هي الوسيلة الأساسية التي يمكن أن تحقق الشركات بواسطتها أهدافها المنشودة, وأن تخرج من حالة الجمود إلى حالة الديناميكية, ومن المحافظة إلى التجديد والتغيير ومن العزلة إلى الانفتاح, وليس بالضرورة أن تعني عملية إعادة التنظيم أن النظام السابق قد فشل في تحقيق كامل الأهداف المنشودة, أو أنه لم يُعد صالحاً تماماً, بل لأن إعادة التنظيم عملية دائمة ومستمرة لضمان كفاءة، وفاعلية المنظمات بشكل عام، ومواكبتهم للتطورات المطردة في مجال أعمالهم.
وهناك الكثير من الأسباب التي تدعو إلى ضرورة إعادة التنظيم، منها ما هي أسباب خارجية: كالتغيرات في الظروف السياسية أو الاقتصادية أو التقنية, مثل التغير من حالة التنمية إلى حالة الركود الاقتصادي أو العكس، أو التنافس الكبير بين الشركات، ومنها ما هي أسباب داخلية، كتغيير الأهداف, أو زيادة أو نقص عدد العاملين، أو إدخال تقنيات جديدة، أو انخفاص الكفاءة الإنتاجية، أو اتساع نشاط الشركة، أو تغيير بعض القيادات العليا، أو الانتقال إلى موقع آخر، وغيرها من المبررات الخارجية، والداخلية التي تدعو إلى ضرورة إعادة تنظيم، والبدء فيه.
فإعادة التنظيم ما هي إلا وسيلة لعلاج الخلل في الشركات، والذي لا يقتضي فشل ما هو قائم، كما ذكرنا سابقاً، ولكن ربما الانتقال من ما هو ناجح وقائم إلى الأفضل، ومن ما هو حسن إلى الأحسن، وذلك لتحقيق أقصى الفوائد، ومن الممكن أن تؤدي عملية إعادة التنظيم إلى تعطيل أو إرباك بعض الأعمال في الشركة التي يجري إعادة تنظيمها على الأقل في المدى القصير، نتيجة الشعور لدى الكثيرين من المسئولين في الشركة بالخوف أو عدم معرفة النتائج والترتيبات الجديدة التي قد تنتج عنها عملية إعادة التنظيم، ولهذا يتوقف نجاح إعادة التنظيم على عدة متطلبات، والتي يجب توفيرها إذا ما أرادت الشركة نجاح العملية وتحقيق أهدافها المنشودة، ومن أهم تلك المتطلبات: دعم الإدارة العليا، وإيمانها بضرورة إعادة التنظيم، لضمان توفير كافة الوسائل لتسهيل عملية إعادة التنظيم، ومدى مشاركة العاملين، والتعاون بينهم وبين الإدارة التنفيذية، وخبراء إعادة التنظيم، بالإضافة إلى ضرورة إيجاد الوعي الكافي بين العاملين بأهمية هذه العملية وضرورتها، وذلك للاستفادة من خبراتهم وآرائهم، ولا شك أن للاطلاع على تجارب الشركات المشابهة داخل الدولة وخارجها أهمية كبيرة ودوراً ملحوظاً في إغناء عملية إعادة التنظيم بمزيد من المعلومات المفيدة، خصوصاً إذا ما رُوعي عند دراسة تلك التجارب عامل الزمن والظروف المحيطة بكل منها.
alaidda@hotmail.com