هذا قول شعبي يعني عمل شيء مع سبق الإصرار والتعمد، وهو نوع من التحدي دون الخجل من الآخر، أو الخوف منه، أو الخوف من العقاب، ومَنْ أَمِنَ العقاب أساء الأدب. وإذا كان المجتمع الآن يتجاوز تجاوزات الناس للآداب العامة، وهي كثيرة، وهذا مؤسف، فإن تجاوز التجاوزات التي تنعكس على الاقتصاد هو جريمة بحق المجتمع الآن، وبحق الأجيال القادمة؛ فأي تشوهات في الاقتصاد تكون لها آثار تراكمية قد لا تظهر آثارها الآن، وتتراكم لتشكِّل في المستقبل تشوهات يصعب إصلاحها. وهذا ما يحصل الآن في كثير من الحالات، علناً وجهاراً، عيني عينك، وهكذا.. على عينك يا تاجر. والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها ما نقرأ عنه من تعثر كثير من مشاريع الحكومة، أو سوء تنفيذها، أو المغالاة الواضحة والصريحة في تكاليف التنفيذ. وفي كل ذلك إهدار للمال العام، وثمن اقتصادي باهظ، ناهيك عن الجانب الأخلاقي، الذي لم نعد نوليه ذلك الاهتمام الذي كنا نحرص عليه في الماضي، فيصدق فينا القول «إذا لم تستح فاصنع ما شئت»، و»الحياء شعبة من الإيمان»، ولكن هذا هو حالنا الذي يجب أن نعترف به؛ لأن الاعتراف بالشيء ووجوده هو الخيط الأول لتلمس الحلول، والتقدم إلى الأمام. وتجاهل الأنظمة والتعليمات أصبح شائعاً، بل يتم علناً، ويعلن عنه في الصحف اليومية، دون خوف أو وجل، ومن ذلك الإعلانات المبوبة في الصحف اليومية عن أشخاص، نعم أشخاص، غير مرخص لهم، ولا تعرف عنهم غير أرقام هواتفهم الجوالة، وقد تكون بأرقام شرائح غير نظامية، أشخاص يعلنون عن تسديد قروض المصرف الفلاني، واستخراج قروض جديدة، تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، هكذا بكل بساطة. كيف تتفق مع الشريعة الإسلامية؟ لا أدري، ولا أعتقد أن هناك مَنْ يدري، أو يحب أن يدري، أو يهمه أن يدري. وأشخاص آخرون يعلنون عن جميع أنواع التقسيط، سيارات، أجهزة كهربائية، لابتوب (هكذا)، أثاث منزلي، والحصول على التقسيط بطريقة شرعية!
نعم هكذا بطريقة شرعية.
وهذه تجاوزات وتشوهات في الاقتصاد، ولها آثار اقتصادية واجتماعية وأمنية، وربما فكرية. وفي أمر آخر، هناك إعلانات لأعشاب وتركيبات أدوية يمكنها أن تعالج قائمة عريضة من الأمراض المزمنة والمستعصية، يتم نشرها هي الأخرى دون مراقبة، ودون التثبت من صحتها، أو من خطورتها على صحة الناس والمجتمع، أو التأكد من أنه ليست لها أي آثار جانبية، أو أنها قد تسبب أمراضاً أخرى، أو تؤدي إلى الوفاة. وفي كل ذلك إزهاق للأرواح البريئة، أو المغفلة، وهدر للمال العام عندما تمتلئ المستشفيات لعلاج تلك الآثار الجانبية. وهذه الأعشاب والتركيبات الدوائية المبتكرة، التي تتم في غابات الأمازون وأدغال إفريقيا وأطراف آسيا، يمكنها أن تعالج كل الأمراض، وبكل سهولة؛ وبالتالي فهي تنافس المستشفيات، وتحبط كل من يفكر أو يحاول في الاستثمار في الخدمات الصحية؛ لأن هذا البديل أفضل، وأقل تكلفة، وأسهل بكثير، فهذه العلاجات الرخيصة الثمن لها مفعول السحر، وهي العجب العجاب الذي يخطف الألباب ويعالج الأمراض كلها ويقضي على كل الأسباب!.. هكذا بكل سذاجة نقرأ هذه الخزعبلات والتجاوزات في النشرات المجانية، دون أن نقف أمامها وقفة حازمة تقضي على هذا الداء الذي تجاوز الحد المقبول وأصبح عملاً غير أخلاقي، ناهيك بآثاره الاقتصادية التي يصعب حصرها الآن وتأثيرها في المستقبل. فمن يعلق الجرس؟ ومن ينبهنا إلى أن تجاوز الأنظمة الآن سيؤدي إلى فوضى في المستقبل؟ وإذا كان الحل الآن صعباً، فسيكون مستحيلاً في المستقبل؛ لأن الناس عندها سيكونون أكثر جرأة، وقد تعودوا على تجاوز الأنظمة وعدم الاكتراث بها.