خلال عام واحد احتضنت الرياض عدة أعراس ثقافية متتالية وجمعت أبناءها في إهاب عباءتها العابقة بالأمومة والمحبة والوفاء، ففي مطلع هذا العام احتضنت كل أدباء الوطن وجمعتهم في مكان واحد للتحاور والتشاور والنقاش في إطار مؤتمر الأدباء الثالث، ثم أعقبه احتضان آخر للكتّاب والكتاب في إطار معرض الكتاب الدولي في الرياض، والذي ضرب أروع الأمثلة في أسلوب العرض وكثافة الزوار وجدية الشراء وروعة التنظيم وحسن الإدارة، كما أقيمت على هامشه ندوات حرة تداول فيها مثقفو الوطن كل القضايا الأدبية والثقافية والفكرية التي تهم الوطن، وما أن انتهى ذلك المعرض الجميل حتى احتضنت الرياض المهرجان الوطني للتراث والثقافة في دورته الخامسة والعشرين والذي رعاه الحرس الوطني بما عرف عنه من تميّز وحشد للطاقات الفكرية والإبداعية من مختلف بقاع الأرض، إلا أن الأروع في هذا المهرجان السنوي هو أنه استحضر الوطن كله (بمختلف مناطقه وأقاليمه وقراه) في قرية واحدة؛ لذلك لا عجب أن ترى كل التراث الجنوبي الجميل معانقاً التراث الحجازي أو الحساوي أو القصيمي أو الشمالي في مكان واحد أو بالأحرى (قرية وطنية) واحدة هي (القرية التراثية) وفي الوقت نفسه استطاع منظمو هذا المهرجان الكبير أن يختصر العالم كله في مكان واحد، ألا وهو ردهات الفندق التي غصت جنباته بالمدعوين من كافة أصقاع الكرة الأرضية على مختلف أوطانهم ودياناتهم وطوائفهم وايدلوجياتهم ومذاهبهم الفكرية ومدارسهم الأدبية ومنطلقاتهم السياسية.
أي أن القائمين على المهرجان قد جسدوا بالفعل مقولة (إن العالم قرية كونية) تماماً كما جعلوا من جميع مناطق الوطن (قرية وطنية) واحدة.
***
من هنا، ومن خلال تتابع هذه الأعراس الثقافية التي رعتها الرياض - رعاها الله - فإنه بمقدورنا القول إن السياسة العليا في هذا الوطن الرائع وبقيادة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - تتجه فعلاً لجعل هذا الوطن المبارك مركزاً أساسياً للثقافة في الوطن العربي، تماماً مثلما هو مركز أساسي للشريعة والاقتصاد والقرار، وهذا ما نتمناه من القلب فعلاً، وذلك سعياً للكمال مع أن الكمال لله وحده فقط، ولكن نحاول.