بعد أن تفقد أصحابك وأقرباءك بعد الموت، لم يبق لك من الوفاء إلا الدعاء وزيارة قبورهم -للرجال- وكلّما سألت أخي هل زرت خالي عبدالمحسن -رحمه الله- قال لي إنه فقد مكان قبره ولا مكان يوصلنا إليه، وأتساءل دائماً، تعليم القبور بطريقة بدائية لا يجدي بسبب أن هناك من يزيلها لأنها بدعة أو أنها تدعو لعبادة القبور -كما يدندن البعض- أو أنه لم يُعهد عن السلف الصالح ذلك. ولأنه لا توجد طريقة تعرف بها قبر قريبك، ولم تتفتق أذهاننا بعد لرسم خريطة للمقبرة لمعرفة الميت هذا من ذاك، وليس الهدف فقط من المعرفة هي الزيارة فحسب وإن كانت الزيارة والوقوف على القبر والدعاء له ولإخوانه الأموات حق من حقوقهم.. (أقول الوقوف على قبره وزيارة القبر حق من حقوقه للرجال هذا الحق الذي يكاد يختفي بسبب أن الإنسان يفقد مكان قريبه أو أنه يقف عند أي قبر أو عند باب المقبرة أو أنه يخمّن القبر ويكتشف بعد مدة أنه يقف أمام قبر رجل آخر!)، لكن ثمة نقطة أخرى لا تقل أهمية وهي تتعلق بأن بعض الموتى يموت بطريقة طبيعية لكن بعد مدة يُكتشف أنها ليست طبيعية مما يتطلب الكشف عن الجثة مرة أخرى، بصدق لا أدري هل هذا النظام مطبق أمام عشوائية الدفن والعبث بعلامات الموتى وعدم وجود خرائط للموتى بأسمائهم وجنسياتهم وعدم وجود مكتب متخصص في كل مقبرة أو على الأقل في أي بلدية أو إدارة معنية بشئون الأموات.
الأمر ليس بذاك السهولة، ولإراحة بالك أيها المسؤول امنع فترتاح من عناء التفكير في آلية تحفظ حقوق الأموات، وتحفظ حقوق الأحياء الذين يريدون الوفاء لأمواتهم، لكن إذا كنّا نريد حلاً لهذه المشكلة، لابد من وجود إدارة متخصصة تأخذ على عاتقها جوانب الموضوع الصحية والأمنية والشرعية، لكن المنع ليس حلاً، وجهل الناس في طريقة حفظ أماكن موتاهم ليس برّا بهم، والكتابة على الجدران كما لو كنّا في عصر لم يُكتشف فيه الكمبيوتر، ولا توجد فيه بلديات تعنى بشئون المواطن، ولا حتى مواطن يدفع مع كل منتج يشتريه جزءاً من «الجمركة» التي تسمح له بالمطالبة بحقوقه كما استلمت الأجهزة الأخرى حقوقها منه!
هذا الصمت الرهيب في حق الأموات لا يزال سمة رعب، خوفاً من البدعة، كذلك لا يزال يشتكي الناس في المقابر من عدم وجود مظلّات تخفف من وطأة الشمس في حر الصيف الحارق وهم ينتظرون دفن موتاهم بعد أداء الصلاة الأخيرة عليهم ووداعهم، ولا مظلات تحمي الناس من المطر والغبار في الشتاء القارس وكأنهم يأتون ليجمعوا مع مصابهم الأول مصاب آخر، فيصبح دفن الموتى كما لو كانت عقاباً لهم ليكرهوا زيارة المقابر (فالرجال يشتكون بصمت) ولا أحد يستجيب أو يناقش، لأن الحديث عن القبور حرام!.
لذا لا يسعني كامرأة إلا أن أقول للموتى من أقربائي والمسلمين: إن كل ما أستطيعه من أجلكم أن أحث رجالنا على زيارتكم، فإن أضاعوا مكانكم أو شعروا بالضيق لبرد الشتاء أو حر الصيف فلا تلوموهم.. رحم الله موتانا وموتاكم جميعاً، وصدق صاحب أطهر قبر: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة».
www.salmogren.com