ربع قرن هو تاريخ الجنادرية (المهرجان الوطني للتراث والثقافة) التي أصبحت حاضرة وبقوة في فعاليات الوطن، وامتدت لتكون لها اهتمام عربي وعالمي.
ربع قرن، وفي كل عام ترتفع تساؤلات، ويأتي في عقبها التحديث والتغيير ومعالجة السلبيات؛ لتصبح الجنادرية انتظارا للجميع.
الجنادرية عادة ما تكون وسيلة لجمع المثقفات من مختلف أطيافهن لإحياء هذه المناسبة التي تعدُّ مهرجاناً ثقافياً مميزاً، يدل على ذلك الجمع الكبير المتنوع في الجانب الرجالي؛ حيث نجد الأسماء اللامعة الكبيرة من داخل المملكة وخارجها، وحيث يكون التفاعل كبيراً من خلال ندوات ومحاضرات يلقيها أعلام من المفكرين العرب والأجانب، ولكن كل ذلك غير ما توافق ونصيب المرأة في هذا المهرجان الذي لا يواكب ما نطمح إلى أن يكون عليه في مستوى جنادرية الرجال، يدل عليه ما شهده في حفل الافتتاح؛ فمع الاعتراف بوجود شخصيات ذات أهمية على المستويَيْنِ الاجتماعي والثقافي، إلا أنه كان هناك غياب كبير لمثقفات بارزات من أستاذات مرموقات في الجامعات السعودية وأديبات وشاعرات لهن وزنهن ليس على المستوى المحلي بل وعلى المستوى العربي.. تعجبت كثيراً من عدم وجودهن، وقد تساءلت داخل نفسي عن أسباب هذا الغياب:
هل مرده تقصير اللجنة النسائية وعدم توجيهها دعوات لهن؟ فإن كان كذلك فهو أمر مثير للدهشة والاستغراب، وإن كن دعين ولم يستجبن للدعوة فإن البحث في هذا الأمر يحتاج إلى معرفة الأسباب؛ فقد يكون لديهن مبررات لعدم الاستجابة، وقد تكون هذه الأسباب مردها ضعف البرنامج النسائي وعدم مواكبته لحجم المناسبة، أو قد تكون الأسباب عائدة إلى عزوفهن عن المشاركة لانشغالهن في هذه الفترة بمناسبات أو أمور أخرى.
وبحث مثل هذا الأمر يتطلب مناقشة موقف المرأة السعودية المثقفة ومدى رضاها أو عدم رضاها عما يتم في الجانب النسائي.
إننا عندما نقارن بين ما كان عليه الجانب الرجالي وما حفل به من نشاط كبير وفي المقابل عدم ارتقاء الجزء الخاص بالنساء إلى مستوى هذا المهرجان نحتاج إلى إجراء دراسة دقيقة من خلال حوار مفتوح مع كل الأسماء الكبيرة التي لم تحضر؛ فقد يكون لديهن الجواب الشافي فنستطيع من خلال ذلك إصلاح الخلل والعمل على الارتقاء بجنادرية النساء؛ ليكون نصيبها متوافقا مع ما ناله الرجال.
إنَّ العمل في الجانب الرجالي - كما نعرف - كان يتم من خلال لجان تحضرها أسماء لامعة تخطط عن معرفة وخبرة، وتشارك بآراء وأفكار مميزة، نتاجها عادة هو ما نشاهده ونشهده في جنادرية الرجال من ارتقاء في مستوى المشاركة ومن فائدة تسهم في تنشيط الحركة الثقافية في المملكة.
إنَّ المرأة في هذا الوقت الذي تسير فيه بخطى حثيثة نحو إثبات ذاتها والحصول على حقها في كل جوانب الحياة من منطلق ما يوجِّه به خادم الحرمين الشريفين تحتاج أيضا أن تكون جنادريتها على مستوى راق لا يقل عن المستوى الذي هي عليه في الجانب الرجالي.
إنني هنا لا أغبط حق العاملات في جنادرية النساء اللاتي لا شك أنهن أدَّيْن دورهن حسب قدراتهن، ومع الاعتراف بوجود أسماء معروفة بينهن، إلا أن الغياب الكبير لمثقفات يرفع السؤال.
الأمل أن يتم التخطيط لجنادرية النساء مستقبلا بأكثر دقة، حيث يتسنى لكل نساء هذا الوطن من المهتمات بالشأن الثقافي الحضور والمشاركة بفعالية تبرز ما هي عليه المرأة في المملكة في الوقت الراهن من رقي وتقدُّم.. ولعلنا نشهد بجنادرية السنة القادمة كل الأسماء النسائية المؤثرة في الحركة الثقافية، وأن يكون لهن دور في التخطيط والإسهام؛ حتى يتساوى نصيب المرأة بالرجل، وتكون هناك عدالة في الإفادة وفي تحفيز دور المرأة في الحركة الثقافية بالمملكة.