Al Jazirah NewsPaper Wednesday  24/03/2010 G Issue 13691
الاربعاء 08 ربيع الثاني 1431   العدد  13691
 
الإدارة بالأهواء تُقوّض جهود الإصلاح
خالد بن محمد الصغيّر

 

يلحظ المتابع لمشهد الواقع السعودي في الفترة الأخيرة حراكاً في جميع الاتجاهات، من أجل تحقيق درجة ملحوظة في علوّها في مُؤشر الإصلاح في شتى النواحي الاقتصادية، والسياسية، والإدارية، والثقافية، والتعليمية، وفي غيرها من المجالات..

.. ولكنها تبقى محاولات يزعزع ثبات تصاعدها واستقرارها، ويؤثر في جني ثمرتها بعد نضجها المُنتظر في المنظور القريب، تصرفات بعض من أُوكل لهم دفة القيادة في مواقع إدارية في مؤسساتنا الخاصة، ومثلها في ذلك العامة، المتمثلة تحديداً في تنبِّي سلوك، أو منهج الإدارة وفق الأهواء الشخصية التي هي أبعدُ ما تكون عن المهنية والاحترافية في العمل الإداري، باعتبارهما إحدى مستحقات الفترة الراهنة المستدعية اتخاذ قيم الإتقان، والالتزام، والانضباط، والأمانة، والعدل عناوين كبرى تُسيّر دفة العمل الإداري، وبخاصة الخدمي منه.

وإدارة مؤسساتنا وفق سرطان الهوى الإداري، تجلب معها معضلات وويلات كبرى يأتي في مقدمتها انتفاء مبدأ العدالة، والتعامل بالمثل حيال القضية، أو الأمر نفسه مع اختلاف صاحبه؛ فنجد المدير المكبّل بقيود الهوى مرة يتخذ قراراً في صالح صاحب الحاجة، ومرة يرد آخر يشترك في نفس المطلب لا لأمر إلاّ لحاجة في نفس يعقوب، من غير احتكام إلى اللوائح والأنظمة التي يجب أن تكون هي من يحدد مسار التعامل المنصف مع صاحب الحاجة من دون اعتبارات أخرى. وهذا يقود إلى الشعور بالظلم، ويفقد المرء الثقة بمؤسساتنا؛ لأنّ بعض من يتولّون إداراتها بصنيعهم هذا يجعلون أنفسهم في خانة يكونون فيها أبعد عن العدل، والإنصاف عند قضاء حاجات الناس التي لها مصالح في مؤسساتهم التي يتولّون دفة إدارتها.

وليت أثر الإدارة وفق داء الهوى عند بعض المديرين يقتصر على هذه المثلبة وحدها، وإنما نجدُ أنها أيضاً تقود إلى نتيجة سلبية أخرى لا يقل أثرها السيئ عن سابقتها، والمتمثلة في الانتقائية في تطبيق اللوائح والأنظمة. وهذا يؤدي إلى عرقلة العمل، وانخفاض ملحوظ في نسبة الإنجاز والإنتاج، وتعطيل مصالح الناس الذين ليس لهم نصيب رضاً وقبولٍ من مدير أسير لهواه، ينتقي مما بين يديه من لوائح وأنظمة، مع ما يتوافق مع ما يريده ويهواه، ويترك جانباً مما لا يروق له بالرغم من نظاميته، وتوافر معايير نظامية تلزم فرض بنودها على الجميع بلا استثناء. وفي ظل هذا السلوك الإداري نجد أنّ الأنظمة يتم تطبيقها وتفسيرها بطريقة مزاجية لخدمة الأهواء والأغراض الشخصية، وتعقيد الإجراءات، وفي الوقت نفسه التمسك بحرفية القانون في حالات أخرى.

والأدهى والأمرّ من هاتين السلبيتين، أنّ دستور ذلك النوع من مديري الهوى مستمد من وحي دواخلهم، الهوى، التي تنادي بوضع الخطط والبرامج التي تتوافق فقط مع هواهم، ورغباتهم الشخصية، وما يخدم ذاتهم الأنانية، وإقصاء، أو إبعاد خطط، وبرامج، وأفكار، أجدى وأنفع نظراً لعدم توافقها مع رغباتهم الشخصية. ومن هنا فهم بموجب ذلك يجعلون من الهوى مداراً يلتفّون حوله، ويخلصون له، وحواليه تتمحور آراؤهم، وقناعاتهم، ورسم السياسات الخاصة بالمكان الذي يديرونه.

ويغيب عن هذه الفئة من المديرين ذوي السلوك الإداري الأهوائي، أنهم القاعدة التي تبنى عليها إدارات المؤسسات، وهم واجهتها، ومتى ما وهَن هذا الأساس، وتم تشويه وجه هذه المؤسسة بتصرفات منبعها الهوى، فإنّ حماسة العاملين وتفانيهم، ومستوى ولائهم للمؤسسة، ورغبتهم في العطاء والإنتاج تقل، إن لم تنعدم؛ لأنهم يرون بأم أعينهم أنّ المعوّل عليه من جراء سلوك إداري، أو قرار يُصدّر ليس منطلقه مدى توافقه مع المصلحة العليا، وإنما مردّ ذلك أهواء شخصية تملي سلوكيات وممارسات إدارية، أقل ما توصف به أنها تُفسد ولا تُصلح، وتجعل من المؤسسة مظنّة لعدم الثقة، وسبباً مباشراً في ضعف أدائها، ووصم رُبّانها بمدير الهوى، وذي رغبة في الإنفراد بالقرار، وجعل نفسه صاحب المرجعية فيه.

وفي سياق الانعكاس السلبي في تعامل مدير الهوى مع مرؤوسيه ممن يتولى قيادتهم يأتي فتح جبهات للخلاف معهم بعيداً عن الحقيقة، والقبول بالحق، ورؤية الأمور من زاوية الرشد والتعقُّل، والتعامي عن حقيقة أنّ لكل واحد من الطاقم الإداري خبرات وقدرات جديرة بالاحترام والتقدير، والقصور في النظر إلى الاختلاف على أنه سبب للتكامل، والمبادرة، وفرصة لتلاقح الأفكار قديمها وجديدها، والتعاون لما فيه مصلحة المؤسسة. كما أنّ هذا السلوك الإداري المشين يقود إلى تهيئة أجواء من الاستبداد يتحوّل معها ذلك النوع من المديرين إلى أنهم لا يرون إلاّ ما يرونه هم، ويتمسّكون ببنات أفكارهم وكأنها أمر مقدس غير قابل للنقد، أو حتى التمحيص والتوقف عندها، ويضعون معايير أهوائية تكون هي المحتكم إليها في قبول، أو رد ما يرد إليهم، وهنا تغيب النظرة الموضوعية، ويحجبُ الهوى رؤية الصواب، ويُغلّب الرغبة الجامحة في تحقيق المآرب الشخصية على حساب آراء ومواقف الأطراف والمجموعات الأخرى.

والخلاص من هذا الداء الإداري العضال يكمن في ترسيخ روح العمل المؤسسي الجماعي بحيث يتم توزيع الأعمال والأدوار على فرق عمل وإدارات متخصصة تكون لها المرجعية، وحرية اتخاذ القرار في دائرة اختصاصها، وخلق أرضية موائمة تسمح بفتح قنوات اتصال مباشرة للتنسيق، وتنحى نحو الواقعية، والشمولية، والمرونة في التخطيط، والتحفيز للطاقم الإداري بتبنِّي أهداف مشتركة يسعى الجميع لتحقيقها، وتحديد الأدوار والمسؤوليات، وتنمية ثقافة الحوار والمناقشة بين الأطراف الفاعلة في المؤسسة، وقبل ذلك إشهار سيف العقل والاتزان في وجه ظلام الهوى الدامس، وإن استدعى الأمر الدفع به بعيداً، بل وحتى مقاتلته والإجهاز عليه بضربة قاضية؛ لأنه لا عقل مع وجود الهوى المقيّض في كل الأحوال لفعالية العمل، وحسن الأداء فيه، وتحقيق مركز التقدم والإنجاز في مجالات العمل المختلفة. والحل الآخر يكمن أن يحاول مديرو الهوى جاهدين الابتعاد عن الأهواء الشخصية، وعدم الخضوع لسطوتها في سلوكهم الإداري، وتحديداً في طريقة إدارتهم لمؤسساتهم التي يقفون على رأس الهرم فيها. كما أنّ عليهم دائما ً التذكُّر بأنّ القمم كثيراً ما تنهار نتيجة تحكُّم الأهواء في تحديد نمطية السلوك الإداري الذي يُنتهج، ولن يكون بإمكانها من جراء هذا النهج الإداري تحقيق نتائج إيجابية على المدى البعيد، وإن بدت كذلك في المنظور القريب.

وعوداً على بدء، فإنّ الإدارة وفق الأهواء الشخصية، إحدى معاول الهدم التي تنخر في بناء جسم الإصلاح الإداري الذي بدأت للتو ملامحه في التشُّكل والتكوُّن، وبدأنا عما قريب نلمس نتائجه الإيجابية على واقعنا المعاش، ومن هنا يجب أن تكون هناك وقفة حازمة في وجه أولئك النوع من القياديين الذين يريدوننا أن نعيش أسرى لعهود الظلام الإداري الذي شعاره ليس لكم إلاّ ما أرى وأهوى، وهو شعار سرطاني فتّاك يقضي على مؤسساتنا، ويضعف أداءها، ويهدر مواردها، ويوسع من دائرة استغلال النفوذ والتي تلقي بظلالها وأثرها السلبي على التنمية الوطنية، ورفاهية الموطن، وتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع، والتطوير، والاستثمارات. ما نحتاجه إذاً لكبح جماح هذه النوعية من المديرين يتطلّب إبراز هذا السلوك الإداري السلبي، وتعرية خصائص وأمارات المتصف به، والإشارة إلى مخاطره، ومن ثم العمل على تفعيل الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد والتي أكدت ضرورة الإقرار بمبدأ الشفافية، وتعزيزه داخل مؤسسات الدولة، وإشراك مؤسسات المجتمع المدني في حماية النزاهة، وقيام الأجهزة الحكومية المختصة بممارسة اختصاصاتها في مكافحة الفساد بكل صوره وأشكاله، والعمل بمبدأ المساءلة لكل مسؤول مهما كان موقعه الاجتماعي، أو الوظيفي.



alseghayer@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد