حوار - محمد بن عبدالعزيز الفيصل
تستكمل (مسيرة) هذا الأسبوع مسيرتها الحوارية في جزئها الثالث مع رائد التغيير والتحديث بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية معالي الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل.. فإلى نص الحوار:
يُعد المؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب أهم الفعاليات العلمية التي قدمتها الجامعة، ولم نكد نسمعه بعد هذا المؤتمر إلا بندوة تقنية المعلومات وندوة التحكيم العلمي، والسؤال هنا: لماذا تبدو العناية بالفعاليات العلمية المؤتمرات، والندوات،.. في الجامعة ضعيفة؟
قامت الجامعة وضمن جهودها في خدمة المجتمع وتفاعلها مع كل ما يمس أمن بلادنا والمجتمعات الإسلامية والعالم بصفة عامة بعقد هذا المؤتمر مشاركة منها في الدفاع عن بلاد الحرمين وإظهار الصورة الحقيقية المشرقة لسماحة الدين الإسلامي العظيم الذي يحث على الوسطية والاعتدال في القول والعمل، ونشر مبادئ السلام والمحبة بين الشعوب وإيضاح الحقائق المهمة، والسعي لوضع تعريف مهم للإرهاب ووضع اليد على مواطنه وكشف المروجين لهذا الفكر وأسبابه، ولقد تم توثيق كل ما صدر عن المؤتمر من نتائج ودراسات ومشاركات لجميع المهتمين والمشاركين وخصصت الجامعة موقعاً على الشبكة العنكبوتية «الإنترنت» استمر لفترة ليست بالقصيرة، وهذه النتائج متوافرة للجميع من باحثين ومهتمين ورجال الصحافة والإعلام والعلماء المختصين في أبحاث الجريمة وعلماء الاجتماعيين، ولقد كان ولا يزال لهذا المؤتمر صدى طيب ونتائج مثمرة أعانت الجهات المختصة والمتابعة لهذه الظاهر الغريبة على مجتمعاتنا الإسلامية والمختصين والمهتمين والمتابعين على وضع الحلول والمقترحات لمعالجة هذه الفكر واجتثاثه، وتوضيح الرؤية والموقف العالمي منه.
وثانياً: الجامعة نشطت وتفاعلت في الوقت الحالي في العناية بالفعاليات العلمية والندوات فهي تزخر بالعديد من المناشط والفعاليات العلمية المستمرة وقد عُقد في العام الماضي مايزيد على عشر ندوات وملتقى وفعالية منها على سبيل المثال مع ماذكر ندوة الدراسات الدعوية تحت رعاية صاحب السمو الملكي سلطان بن عبد العزيز ولي وندوة ترجمة السنة تحت رعاية الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية - حفظه الله -، وملتقى أقسام الأنظمة في المملكة العربية السعودية وندوة الأسرة السعودية والمتغيرات الاجتماعية تحت رعاية صاحب الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية - حفظه الله -، وملتقى معسكر الجوال على مستوى دول الخليج العربي تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبد العزيز نائب أمير منطقة الرياض - حفظه الله - وملتقى مسؤولي الجودة تحت رعاية معالي وزير التعليم العالي وغيرها كثير من حلقات النقاش والورش التأسيسية وستعقد الجامعة في هذا العام الكثير من المؤتمرات والندوات من أبرزها التعريف بنظامي القضاء الجديدين تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله -، وندوة الانتماء الوطني تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وهما من أهم وأبرز الندوات على مستوى الجامعات والوطن لما لهما من آثار إيجابية وأهداف وغايات نبيلة وكذلك المؤتمر الفقهي الثاني وهو متخصص بالدراسات الطبية الفقهية، وندوة أثر العلوم الشرعية في تحقيق الأمن الفكري، وندوة شهداء الواجب وواجب المجتمع، ولو ذهبت أعد لك ما قامت به الجامعة وما ستقوم به في هذا الشأن لطال المقام وكثر الكلام وزاد الحوار عن المطلوب وهذه المناشط لن تنقطع وهذه هي حال المؤسسة العلمية الأكاديمية دوماً، وتلقي عليها الصحافة المحلية والخارجية الضوء وباستمرار وبشكل مرضٍ حالياً وتُنشر فعالياتها وأوقاتها وباستمرار في الصحافة المحلية وعلى صفحات موقع الجامعة على «الإنترنت» لمن رغب من الإعلاميين أن يتابع مناشط الجامعة، ونحن حالياً ماضون في الإعداد لتطبيق إستراتيجية إعلامية جديدة لكيفية التعاطي مع أجهزة الإعلام بصفة عامة بطريقة قوامها الصدق والصراحة والوضوح، على أن تبادلنا أجهزة الإعلام بالمثل فنرى النقد الهادف البناء القائم على الرغبة في الإصلاح وتجاوز الأخطاء وتعديلها بصراحة وصدق بعيداً عن أساليب الإثارة الصحفية سعياً للوصول إلى الكمال في خدمة أبناء بلادنا العزيزة.
عندما تسمع عن طلبة من الجامعة قتلوا في مواطن القتال في العراق وغيره.. بماذا تحدث نفسك؟
ولله الحمد لم يثبت يوماً أن أحد طلاب الجامعة والمتخرجين منها كان من ضمن هذه الفئة الضالة التي خرجت على الجماعة وأما من نُسب للجامعة فلا يعدو كونه طالباً سجل في الجامعة، و لربما درس فيها فصلا أو فصلين ثم ترك الجامعة عندما وجد أن مناهجها وطريقها وأساتذتها لا تتوافق مع ما يحمله من فكر منحرف ولم يكمل دراسته ولم يحصل من الجامعة على أي مؤهل، فهذا ولله الحمد دليل على أن الجامعة لها خطها الذي تسير عليه والذي ينبع من كتاب الله وسنّة رسوله الكريم يقوم على لزوم جماعة المسلمين والإخلاص في القول والعمل لولاة أمر هذه البلاد ونبذ الخلاف والتطرف، ولكن مع الأسف بلادنا كلها استهدفت بهذه الاتهامات وليست الجامعة فقط، فنأمل ألا نكرر ما تبثه أجهزة الإعلام المغرضة لهذه البلاد وأبنائها، جعلها الله حصناً حصيناً دائماً للشرع المطهر وحفظ علينا أمننا وأماننا وديننا الذي هو عصمة أمرنا، وعلى فرض أنه وجد أنه واحد أو اثنان أو أكثر أو أقل ممن سلكوا هذا المسلك ووقعوا في هذا الخطر والشر والفتنة هل يعني ذلك الحكم على جميع منسوبي هذه المؤسسة العلمية الشرعية الوطنية التي خدمت هذا الدين والوطن وولاة الأمر وخرجت العلماء والمسؤولين على مختلف مستوياتهم وتنوع تخصصاتهم وخدموا بلادهم بأمانة وصدق وإخلاص..؟
لا، لأن النادر لا حكم له، ثم عن الإنسان نفسه يخطئ ويقصر ويتهاون ويتكاسل فما بالنا في جامعة تضم بين جنباتها ما يزيد على مائة وعشرين ألف ما بين طالب وطالبة وأستاذ ومحاضر ومعيد ومدرس وموظف وغيرهم.
ولذلك فإن علينا جميعاً أفراد وجماعات وخصوصاً المنتسبين لهذه المؤسسات العلمية ان نحرص على توجيه الناشئة الوجهة الصحيحة وتربيتهم التربية السليمة القائمة على كتاب الله والسنّة ومنهج لسلف الصالح ونحذرهم من مواطن السوء ومواقع الريبة والخطر والجماعات المتطرفة المغالية وأرباب السوء وقرناء الشر وما ينتج عنها من فرقة وخلاف وتحزب وفتن لا تبقي ولا تذر وتعصف بالأخضر واليابس والقريب والبعيد.. بوضوح وصراحة ومكاشفة، وعدم التهاون مع كل من تسول له نفسه المساس بالدين والعقيدة والوكن وولاة الأمر، وأن نغرس في نفوسهم الوسطية والاعتدال وحب الخير للجميع والتعاون على البر والتقوى والسماحة واليسر، وينمي فيهم حب الوطن وأهله وذلك بالكلمة الهادفة والقلم الصادق والكتابة الحكيمة، والرؤى البعيدة، والقدوة الحسنة دون مواجهة أو مصادمة بل بطرح يعتمد الموضوعية والاتزان ويسير على نهج السنّة والقرآن.
مما يحسب لمعاليكم القرب من منسوبي الجامعة على تفاوت مستوياتهم، والحرص على توفير كل الأسباب المُعينة على تطوير الأداء ن فرغم مشاغلكم إلا أن مكتب معاليكم مفتوح لاستقبال المُعيدين والمحاضرين وصغار الموظفين، ما الرؤية التي تنطلقون منها في هذا التوجه؟
أنا أحد أبناء هذا الوطن المحبين المخلصين له تخرجت في مدرسة ولاة أمره وتعلمت على يد علمائه كما أنني ابن من أبناء الجامعة وقضيت فيها جُلَ عمري بدأت طالباً وتدرجت حتى أوكل لي ولاة الأمر حفظهم الله هذه الأمانة العظيمة، ولا يستطيع شخص أن يعمل في أي جهاز بمفرده، لذا فسياستي الإدارية تقوم على مراقبة الله في السر والعلن في جميع أموري ومنها عملي الذي يقوم على تفويض الصلاحيات مع المتابعة والرقابة المستمرة والسعي الدائم للتطوير ودعم العامل المخلص وتقديره وشكر المصيب وتقويم المخطئ وتطبيق الأنظمة في جميع الأحوال، وطاعة ولاة الأمر والحرص الدائم على الأخذ بتوجيهاتهم في كل ما من شانه خدمة هذه البلاد وأبنائها.
من أهم أولوياتي تحقيق الأهداف التي من أجلها أُنشئت الجامعة و الوصول بها إلى أن تصبح في مصاف الجامعات العالمية من خلال الاهتمام بالبحث العلمي لأنه أداة مهمة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة للمجتمع ومن خلاله تستطيع الجامعة أن تصل إلى مكانة مرموقة، وقد بدأنا بالفعل بخطوات جادة في هذا المجال حيث تم الانتهاء مؤخراً من قواعد وإجراءات تمويل المشروعات البحثية ممثلة في البحوث النظرية، والبحوث التطبيقية، وستسعى الجامعة إلى دعم هذه الأبحاث من خلال تحويل المراكز البحثية في كليات الجامعة إلى مراكز متقدمة في مجال الأبحاث وستحظى بدعم في ميزانية الجامعة للعام القادم إن شاء الله.
ومن أولوياتي أيضاً العناية والاهتمام بزملائي أعضاء هيئة التدريس في الجامعة الذين هم العنصر الفاعل في الجامعة والعامل المؤثر في العملية التعليمية والإدارية وسأسعى دوماً كواحد منهم لتفقد أحوالهم ومساعدتهم في أداء رسالتهم العظيمة وتطوير قدراتهم، وقد تم هذا العام تدريب عدد كبير من أعضاء هيئة التدريس للتدريب داخل وخارج المملكة، حيث بلغ عددهم أكثر (1000) عضو هيئة تدريس في دورات خارج المملكة وداخلها، ولم يقتصر الأمر في الدورات على أعضاء هيئة التدريس بل شمل أيضاً مدرسي المعاهد العلمية والإداريين فقد تم تدريب (700) منهم في دورات خارجية وداخلية، كما أني أسعى إلى التعرف عن قرب على أعضاء هيئة التدريس من خلال إشراك أكبر عدد منهم في اللجان الدائمة والمؤقتة وكذلك الاستماع إليهم ومشاورتهم في كل ما يهمهم ويهم الجامعة من أمور علمية وإدارية وتنظيمية، ولتحقيق هذا الهدف فقد خصصت يوم الأحد من كل أسبوع للالتقاء بأعضاء هيئة التدريس بعد صلاة الظهر في مكتبي بإدارة الجامعة.
كما عملنا على وضع هيكلة استرشادية متميزة لوحدات الجامعة وفق رؤى إستراتيجية تُفعل الجميع وتشركهم في العمل والمسؤولية وتبين الجاد والمُخلص من غيره، وسيتبعها إصدار صلاحيات مفصلة وواضحة تعطي كل ذي حق حقه وتوزع المسؤوليات وكل ذلك يتم لأول مرة منذ زمن بعيد، كما أود أن أؤكد لك وللإخوة القراء أننا ماضون ولله الحمد أنا وإخواني وكلاء الجامعة وجميع العاملين من موظفين وأعضاء هيئة تدريس لتحقيق الأهداف التي من أجلها أُنشئت هذه الجامعة والتي تحمل اسم الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - في أداء رسالتنا النابعة من كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه سلف هذه الأمة التي لم ولن تحيد عنها الجامعة يوماً في سبيل خدمة مجتمعنا ووضع لبنات راسخة يعم نفعها أبناء البلاد، وليس أدل على ذلك من تواجد أبناء الجامعة وتسنمهم مهام جليلة وهامة في الكثير من القطاعات والأجهزة الحكومية وتلقيهم العديد من شهادات الشكر والثناء على كفاءتهم وخبراتهم ورفعة أخلاقهم وعلومهم ومدى تفانيهم وإخلاصهم في أداء أعمالهم تجاه وطنهم ومواطنيهم وولاة أمرهم وهذه هي الريادة في خدمة المجتمع.
تُدرِّس كلية الطب بالجامعة الطلاب باللغة الإنجليزية، وكما يعلم معاليكم ان جامعة الإمام صرح رائد في تدريس علوم اللغة والشريعة في العالم العربي والإسلامي، وكليات الطب في سوريا - على سبيل المثال - تدرس الطب باللغة العربية، فلماذا لا يكون هناك تعاون بين كلية اللغات والترجمة بالجامعة وبين كلية الطب فيكون التدريس باللغة العربية لتصبح الجامعة الأولى محلياً في هذا المجال؟
عملت الجامعة وفور صدور الموافقة السامية على إنشاء كلية طب ومستشفى جامعي في جامعة الإمام على تشكيل لجان متنوعة علمية وفنية واستشارية من المتخصصين في هذا المجال مستعينة بعد الله بإداراتها وكلياتها ذات العلاقة وبعض الجامعات صاحبة الخبرة الطويلة في قضايا التعليم الطبي والصحي مثل جامعة هارفرد وجامعة الملك سعود وجامعة الملك سعود للعلوم الصحية بالحرس الوطني وغيرهم لوضع جميع الترتيبات والخطط والبرامج والخطوات لقيام الكلية بأقسامها الستة عشر والمستشفى الجامعي، مع تحديد كل متطلبات وحاجات الكلية والمستشفى من الكوادر الوظيفية والإدارية والتعليمية والفنية والتجهيزية من مبان ومرافق وذلك وفق نظرة مستقبلية متفائلة واستراتيجية واضحة المعالم والأهداف تجعل هذه الكلية تقوم على أحدث المواصفات وأرقى المناهج وأقوى الدواعم، مبتدئة من حيث انتهى الآخرون، ومستفيدة من الخبرات والتجارب الحديثة والمفيدة والمعتمدة من كليات الطب في جامعات العالم المرموقة والمشهود لها بالتميز في هذا المجال.
وقد قامت الجامعة برفع كل ما يتعلق بميزانيتها التشغيلية مفصلة إلى وزارة المالية وتمت الموافقة عليها وتأييدها كما صدرت الموافقة على ما يخص المرحلة الثانية هذا العام والتي تعتبر قفزة نوعية وفنية غير مسبوقة، للبدء في التنفيذ، لأن الجميع ينتظر من الجامعة دوراً في هذا المجال وأن تكون الكلية قوية في مبانيها ومعانيها وهياكلها ومتطلباتها جميعاً.
وأود أن أشير هنا إلى أن الجامعة قد أوفدت لجنتين إلى كل من استراليا والصين لزيارة بعض الجامعات المتخصصة بالطب وغيره والتعرف على ما لديها من مجالات وخبرات تستفيد منها الجامعة وقد تم توقيع عدد من مذكرات التفاهم فيما يخص الطب والعلوم وعلوم الحاسب بين جامعة الإمام وبعض الجامعات المرموقة في تلك البلدان سيكون لها أثر إيجابي وواضح على مسيرة هذه الكلية.
كما أن هناك مشروعين لمذكرتي تفاهم بين الجامعة وجامعة نيوكاسل وإكسس البريطانيتين في مجال العلوم الإسلامية والعربية والطبية والحاسوبية.
وخلال فترة قصيرة ووجيزة وبفضل من الله استطاعت هذه الكلية أن تبرز وتحقق أموراً كثيرة طبية وعلمية وبحثية ومهنية وغيرها وذلك بشهادة عمداء كليات الطب في جامعات المملكة الذين شرفوا الجامعة والكلية وحضروا بعض الاجتماعات الخاصة بهم في رحاب كلية الطب بجامعة الإمام، أضف إلى ذلك أن أول دفعة لطلاب هذه الكلية تقدم فيها مايزيد على ألفي طالب كلهم من ذوي المستويات العالية بل بعضهم ممن أنهى السنة التحضيرية في بعض الجامعات الشقيقة ولقد شهد التسجيل فيها مع بداية هذا العام إقبالاً واسعاً وهائلاً قلَ نظيره.
أما ماذُكر عن تدريس الطب باللغة العربية فمن المعروف أن اللغة الإنجليزية هي لغة عالمية وينبغي على الجميع أن يتعلم لغة واحدة على الأقل بالإضافة إلى لغة بلاده لتكون عوناً له بعد الله في فهم حضارات وعلوم شعوب الأرض ونحن نود للكلية أن تبدأ قوية من حيث انتهى الآخرون فإذا استقام عودها وحققت موقعاً متميزاً بين نظيراتها - كما هو مأمول بإذن الله - فبعد ذلك لكل حادث حديث ولا يمنع أبدا جامعة الإمام أن تكون السباقة في مثل هذا المجال محلياً.
وهي كلية طب متكاملة قامت على دراسة وافية ومتأنية ليست ارتجالية أو متعجلة، ومثل هذه العلوم والتخصصات لا مجال فيها للتجريب لأن هذه مقدرات وطن ويجب المحافظة عليها، ومن الأولويات البديهية أن العلوم الطبية تعتمد على الدراسات العلمية والأبحاث التي من طبيعتها أنها متطورة ومتجددة دائماً ومن الصعوبة بمكان اللحاق بها نظراً لما ذكرت وفي حال تعليمها باللغة العربية فلن يُتمكن من اللحاق بمثل هذه العلوم المتطورة وباستمرار، لذا فإن التدريس فيها سيكون باللغة المتوافقة مع العلوم الطبية في العالم أجمع للتسهيل على أبنائنا والتيسير عليهم، خاصة وان الكلية لم تقبل إلا الطلاب المتميزين الذين يعول عليهم ليكونوا نواة لأطباء متميزين في المستقبل يخدمون بلادهم وهم ملمون بأحدث العلوم الطبية التي وصل لها العالم متسلحين بقسط وافر من العلوم الشرعية والتي تمثل مطلب الجامعة وتهذب العالم المسلم الطبيب فيكون خير سفير للطبيب المسلم المحافظ على أخلاقيات هذه المهنة العظيمة.
عانت المعاهد العلمية التابعة للجامعة من هجمة إعلامية شرسة.. اتهمتها بالجمود وعدم التطور.. كيف تفندون هذا الاتهام؟ وهل هناك خطة لتطويرها وتحسين مستوياتها؟
مازالت المعاهد العلمية ولله الحمد تمارس دورها الريادي المتميز في إعداد الجيل الناشئ وتجهيزه للالتحاق بالجامعات والكليات والمؤسسات مزوداً بكم وافر من العلوم الشرعية والعربية، وليس أدل على نجاحها من وجود علماء أفذاذ في هذه البلاد جلّهم من طلاب هذه المعاهد وخريجيها، بل إن طلاب المعاهد يناهز عددهم هذا العام 1430- 1431ه (18000) طالب في المرحلة المتوسطة والثانوية والمنتسبين موزعين على (62) معهداً علمياً تنتشر في جميع أرجاء المملكة العربية السعودية وأينما توجهوا دوماً تجدهم متميزين في أخلاقهم وتهذيبهم وتحصيل علومهم، ولقد قامت الجامعة وخلال الفترة القريبة الماضية بتطوير المناهج وإدخال التقنية في هذه المناهج، بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي، وهناك لجنة دائمة في الجامعة مهمتها المراجعة المستمرة للمناهج الدراسية في المعاهد وتطويرها بما يتوافق مع متطلبات هذا العصر وسوق العمل ومصلحة الدارسين فيها، وقد صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - على توصية لجنة الإصلاح الإداري برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام رعاه الله على بقاء المعاهد العلمية مرتبطة بالجامعة وكذلك المعاهد في الخارج تأكيداً وتأييداً لأهميتها ومكانتها وقيام الجامعة بدورها في تفعيل وتطوير هذه المعاهد.
هل هناك نية لزيادة الطاقة الاستيعابية للقبول في الجامعة العام القادم ؛ وبخاصة في الكليات العلمية التي تشهد إقبالاً كبيراً مثل كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية والحاسب والطب؟
وفقاً للتوجيهات السامية الكريمة من قِبل خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني وبإشراف ومتابعة مستمرة من صاحب المعالي وزير التعليم العالي قامت الجامعة وبفضل من الله هذا العام برفع نسبة القبول للطلاب والطالبات بما يقارب 30% بالمئة عن العام الماضي لاستيعاب أبنائنا وبناتنا ممن يرغبون في الالتحاق بالجامعة، وستزيد بإذن الله أعداد الطلاب والطالبات المقبولين في الأعوام القادمة خاصة بعد انتهاء المباني الجديدة لبقية الكليات وكذا المدينة الجامعية للطالبات والتي ستستوعب مايقارب من (40000) ألف طالبة.
الانتساب (المطور) الذي تبنته إدارة معاليكم لقي إقبالا كبيراً وصدى واسعاً.. البعض اتهمه بأنه سيغير من قيمة الجامعة (علمياً) كما هو حال بعض الجامعات السعودية، فما تعليقكم على ذلك؟
برنامج الانتساب المطور أخذت به الجامعة من باب إحساسها بالمسؤولية تجاه أبناء المجتمع الراغبين في الالتحاق بالجامعة ولكن ظروفهم حالت بينهم وبين الحضور الفعلي، واعتبرت الجامعة أن إتاحة التعليم لجميع الراغبين فيه من جميع أنحاء المملكة هدفاً رئيساً لها، وهذا ديدنها منذ إنشائها، ولذلك، أقرت الجامعة رؤية استراتيجية جديدة وذلك بدمج التقنية بالتعليم مما يتيح للطلاب التعلم بطريقة فعالة وسهلة ومن أي مكان من خلال شبكة المعلومات العالمية «الإنترنت»، وبناءً على ذلك، صدرت الموافقة السامية بإنشاء «عمادة التعليم عن بعد» قبل عامين التي تعتبر الجهة المسئولةً عن تقديم خدمات التعليم عن بعد لكافة كليات وفروع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية داخل المملكة وخارجها. مما يتيح للجامعة تقديم خدمة شاملة وموحدة تسمح لكل المحاضرين والطلبة الاستفادة القصوى من أنظمة التعليم وبتكاليف مناسبة.
ويقوم مشروع الانتساب المطور(التعليم الإلكتروني) على أساس الاستفادة من التقنية الحديثة في مجال التعليم الجامعي مما يتيح للطلاب والطالبات التعلم بكفاءة عالية من خلال الإنترنت وتحقيق توجيهات ولاة الأمور بالتوسع في قبول الراغبين في الدراسة الجامعية ودعم التوجه العام للجامعة باستثمار التقنية الحديثة في العملية التعليمية، ولقد أخذت الجامعة على عاتقها إتاحة التعليم لجميع الراغبين فيه وتطبيق أنظمة التعليم عن بعد القياسية العالمية في مشروع الانتساب المطور, وإدارة المقررات الإلكترونية عبر نظام إدارة المحتوى والتواصل المستمر إلكترونياً بين الطالب وأساتذة المقررات علاوة على أن خطوات التسجيل والقبول والإجراءات الأخرى تتم بطريقة إلكترونية لعامين ماضيين عبر موقع عمادة التعليم عن بعد.
يشير عدد من كتاب الرأي إلى وجود تيارات فكرية متصارعة في الجامعة، فما تعليقكم على ذلك؟
دائماً وأبدا الجامعات في كل دول العالم هي موئل العلم ودار تنوع الأفكار وتلاقحها ومصدر الأفكار القيّمة لكل مجتمع لأنها تختزن طاقات وعقول الأمة وجامعة الإمام كأي جامعة في العالم يجتمع فيها المبدعون والمفكرون من أبناء هذه البلاد الطيبة فيتناقشون ويتبادلون الرأي ويتفقون ويختلفون ولا يفسد الود بينهم، وليس بالضرورة أن يكون ذلك في العلن وعلى مرأى من أجهزة الإعلام، ولكن في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ولله الحمد لم يخرج الحوار عن أدبه الإسلامي الجم وقناعات أبنائه ومبادئهم التي تربوا عليها فضلاً عما درسوه فيها من علوم عاليه تقوم على الحوار ووحدة الهدف والصالح العام، فهؤلاء هم عُدة هذه البلاد وهم نواة فكرها وقادة الرأي العام فيها، وليس عندنا ولله الحمد ماوصفته بالتيارات الفكرية المتصارعة.
عُرف عن معاليكم اتخاذ المنهج الوسطي ومحاربة التطرف بجميع أشكاله وأنواعه فتبنيتم ذلك في مؤلفاتكم ومحاضراتكم، فما هو أثر ذلك على هذه المؤسسة الأكاديمية التي تقفون على هرم المسؤولية فيها؟
الدين الإسلامي هو دين الوسطية والاعتدال ونبذ الغلو والجفاء والإفراط والتفريط وأُمة الإسلام هي أمة الاستجابة والدعوة والوسط والعدل على حد قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} وثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ما خُير بين أمرين إلا أختار أوسطهما أو أيسرهما مالم يكن إثماً..
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه» أخرجه البخاري في صحيحه وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الآخر: «لم أُبعث معنتاً ولا متعنتاً وإنما بُعثت بالحنيفية السمحة».
وقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم مبدأ الوسط والاعتدال في أقواله وأفعاله وجميع أحواله وسار على نهجه من بعده أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا، والمسلم الحق هو الذي يسير على هذا الطريق وينهج هذا المنهج ؛ لأن المستقيم على دين الله يجب أن يكون قدوة لغيره، فيظهر عليه كل أمر محمود يوصل إلى الخير والمحبة والألفة والتعاون على البر والتقوى.
علماً بأنه لا يوجد إنسان معصوم من الخلل والنقص إلا من عصمه الله، وكذلك المؤسسات على مختلف مستوياتها وتنوع تخصصاتها لا يمكن أن تخلو من التقصير والتفاوت بين المنتسبين إليها سلباً وإيجاباً، ولكن الأهم هو كيف نواجه ذلك ونعمل على إزالته أو التقليل منه وإيجاد الأفضل إضافة إلى أن هذا الانحراف الفكري والتطرف وجوده يعتبر أمراً نسبياً يقل تارة ويزداد أُخرى بناءً على البيئة التي يوجد فيها ويجد من يرعاه ويدعمه وينميه و لا توجد ولله الحمد في الجامعة هذه الظاهرة ولم يسبق أن استشّرى هذا الأمر كظاهرة في طلاب الجامعة كما جاء في سؤالك، وهي دخيلة تماما على مجتمعنا بل وعلى أفكار أبنائنا وإن وُجِد في غير طلاب الجامعة ممن يحمل هذا الفكر الذي يتعارض مع قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} فنحن نستنكر ذلك وننبذه، ولم يُعد بخافٍ على أحد ولله الحمد سواء في الجامعة بين أبنائها وأساتذتها ومسؤوليها مثالب هذا الفكر ومساؤه وما يجره على معتنقيه من مصائب ومهالك تخرجه عن إجماع أهل السنة والجماعة، ونحن في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ولله الحمد دائماً في لقاءاتنا وندواتنا نؤكد على الوسطية والاعتدال والإخلاص لبلادنا وولاة أمرنا في القول والعمل، ومن ثم العناية بأفكار أبنائنا من طلاب الجامعة، وزرع ذلك في أذهانهم، ومن المعروف عن الشباب دائماً الحماس في كل شيء فإذا وجدوا من يوجههم التوجيه السليم كانوا دوماً عند حسن الظن بإذن الله.
