لم أكن لأتمكن من إتمام قراءة ما وردني من رسائل تعبير دافئة يوم أمس الأول، فالناس في مناطق عديدة من العالم يحتفون كانوا بأمهاتهم!.. ونحن لا نحتفي بأمهاتنا، لأن دافعاً ما فينا، ينبعث في هذا اليوم تحديداً، يستلهم وقفتنا لنقول لها: هاك دعوة صادقة، وها أنت حاضرة في منافذنا كلها, لا تغيبين اليوم عنَّا حيّة، أو ميتة، لأنكِ أعطيتِ منذ نُقِطْنا في أحشائك، وبذلْتِ ولم تتواني، حتى رمقك الأخير، أو صبركِ الطويل...
ضحكتِ، حين لا يكون لك باعث فرح، سوى فرحنا، ونجاحنا، وعافيتنا، وثباتنا، ونصوعنا، ونقائنا، وبكيتِ حين تعثُّرِنا، وكبواتنا، ومرضنا، وفشلنا، واهتزازنا، وتردينا، وظُلاماتنا...,
فلو أننا فعلنا احتفاءً بها، بدافع ذاتي, لما تسارعنا من حيث يدخلون ندخل، ومن حيث يخرجون نفعل، وإلا لكان الخامس من ربيع الأول هو يوم وقفتنا من أجلها، وهو يوم فتح جداول أنهار وجداننا لها, وأفكارنا، ونصب موازين تقييم أدوارها معنا،...
لكنَّنا والشاهد علينا أنفسنا، نحقق الاتباع «حذو القذة بالقذة»، ذلك لأنها نابضة فينا، ما خفق في صدورنا نبض، وما كانت في عروقنا الدم، والحس، والعطاء، فهي من قُرنت بقدميها الجنة، وسُئلنا عن رفقتها بالحسنى, حتى إن جاهدتنا، على أمر خارج طاعة الخالق العظيم، فلها حق الصحبة الطيبة، ومن من أجلها تتضاعف الحسنات لمجاهدٍ أمسك بأمِّه دون ميدانه، ولعائلٍ قدَّم أمَّه على نفسه, وولده, وزوجه، ولمن عندها تنخفض أجنحة الذل, من الرحمة، أوَ كلُّ هذا نحصره في يوم واحد..؟ وهناك الثلل الكثيرة من السابقين من أمة الإسلام العظيمة، بل اللاحقين منهم، من يأخذ «مأخذ القرون، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع».
كما قال عليه الصلاة والسلام في أمر اتباع أمته لسواهم, قبل قيام الساعة.., فلو أنهم «دخلوا جحر ضب»، لما ترددت هذه الثلل عن اتباعهم في ولوجه...
جميلٌ أن يتفكر العاق بأمه، ولكن في لحظة أوبة, وتطهُّر، فتصبح أيامه يقظة بها، مواطنُ الطاعة، والبر, والرضاء فيه, يحقق المثول بين يديها، وأجمل, حين تصبح الأم، هي الرمز للمحضن العميق, في مسيرة أبنائها بحركاتهم، وأفعالهم, كما كانت أحشاؤها محضنا لتكوينهم،...
هما دوران يتبادلان السؤال والإجابة... في علاقة الأبناء بأمهاتهم، لا ينحصر في يوم، ما دام البر بها، غاية, ووسيلة..., لا تظاهرة واتباع...
ليتنا حين نقدم وردة في صباح يوم لأمهاتنا، نزرع في قلوبنا حدائق ورد, نصبِّحها كل يوم ببتلاتها، ونمسِّيها بعبقها،.. ليتنا لا نجرحها، قبل أن نقوم بالوقوف, في طابور الواحد والعشرين من مارس، لنلقي مع الملقين عليها، تحية مكررة, قالها واحد، ونقلها عنه مئات، فعندما نخاطب أمهاتنا، فإن لغة أخرى شبيهة بلغتنا، لا توجد...,
لتبقى لها قواميس التبجيل, والامتنان، والحب، وحدائق الورود، وشدو العصافير، ولقمة في الفم، قبل أن تستقر فيه, تكون لها وحدها، وخطوة بالقدم، قبل أن تستقر على المنطلق، أو تتحرك فوق درب، تكون هي قد تقدمتها، وحين تُطوي الأرضُ أديماً لجسدها، تبقى لها، تخفق الروح، ويرافق ذكرها كلَّ المساءات، وصباحات النبض.