«الجزيرة» - علي مجرشي
ضمن النشاط الثقافي للمهرجان الوطني الخامس والعشرين للتراث والثقافة أُقيمت صباح أمس الأحد ندوة (السلفية.. المفهوم.. المراحل.. التحولات)، وذلك بقاعة مكارم بفندق ماريوت، حيث أدار الندوة معالي الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء.
وقد شارك في الجلسة الأولى كل من د. رضوان السيد والأستاذ هاني فحص ود. عبدالحكيم أبو النور ود. عبدالله الطريقي ود. جمال سلطان.
في البداية أكد د. عبدالوهاب أبو سليمان أن مصطلح السلفية عالجته الكثير من الكتابات والأقلام قديماً وحديثاً؛ فكان هذا المفهوم موضع اختلاف وموضع اتفاق. وبيَّن معاليه أن مصطلح السلفية استغل في العصر الحديث من جهات كثيرة، أحيانا يكون هذا الاستغلال سليماً وأحياناً سيئاً؛ ولهذا تحولت السلفية في مفهومها المعاصر إلى أيديولوجية سياسية وليس إلى منهج، واعتبرها بعض المفكرين والسياسيين خطراً يهدد العالم.
وشدد معالي د. أبو سليمان على أن سلفيتنا تتميز بالانفتاح الفكري كما شهدت بذلك القرون الأولى، وهي سلفية لا تعادي الحضارة والتقدم، وليست شيئاً مخيفاً كما يصورها البعض.
وأكد معاليه أهمية تحرير مفهوم السلفية وتنقية المصطلح مما شابه من أفكار ومدلولات لا تتفق مع أصل السلفية التي كانت عليها القرون الأولى.
بعد ذلك تحدَّث فضيلة الدكتور عبدالله الطريقي الذي تناول الجوانب الفكرية والعلمية لمدارس السلفية المعاصرة، وقال إن السلفية ليست مدرسة واحدة وليست جهة واحدة وإنما مدارس واتجاهات مختلفة كما يشهد بذلك العصر الحديث.
وبيَّن أن السلفية المعاصرة تنقسم إلى مدرستين: المدرسة المحافظة، وهي التي بقيت على الأصول والمنهج السابق، وهي تنضم في مجموعة مدارس فرعية، ومن هذه التوجهات التي تنسب إلى السلفية المعاصرة توجهات متشددة ومتطرفة وتنحو إلى العنف والإرهاب.
وأكد الدكتور الطريقي أن الأصل أن هذه المدرسة المحافظة بقيت على الاعتدال والتوسط.
أما المدرسة الثانية فهي المدرسة التجديدية وتشمل التجديد الأساسي والتجديد الأفقي، وتأتي دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في مقدمة الدعوات السلفية الإصلاحية، وهي نموذج يحتذى به، وإن كانت قد وجدت نماذج أخرى في دول لعالم الإسلامي.
وفي مداخلته أشار د. رضوان السيد إلى أن مصطلح السلفية هو مصطلح عام، وله مدلولات متعددة بحسب البلدان؛ حيث انتشر المفهوم في أنحاء العالم العربي والإسلامي في القرنين الماضيين، فيمكن القول إن هناك سلفيات متعددة وليست سلفية واحدة، وقد عملت هذه السلفيات، خاصة الإصلاحية منها، على فتح باب الاجتهاد ومحاربة البدع والخروج عن التقليد.
ثم تناول الأستاذ هاني فحص مفهوم السلفية من وجهة نظر شيعية، مبيناً أنه ليس هناك تعريف لمفهوم السلفية عند الشيعة، وان كانوا يرون أن الحقيقة قديما تجددها في كل زمان مرجعيات دينية.
أما الدكتور عبدالحكيم أبو النور فقد تحدث عن النموذج المغربي في السلفية المعاصرة، مشيراً إلى أنه توجد في المغرب أكثر من مئة جمعية سلفية، وأن هذه السلفية قدمت خدمات كبيرة للمجتمع، ومن ذلك إيقافها للمد الشيعي.
وقال أبو النور إن السلفية في المغرب تمثلت في الدروس الدينية وفي التماهي بالتلقين، فقد برزت السلفية في صور الدروس الدينية والعناية بحلقات القرآن ودور القرآن التابعة لجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة.
ثم التماهي في تلقين السلفية من خلال الأداء الجماعي والحرص على العبادات وأيضاً من خلال السلوكيات والمظهريات والأسماء حيث يولي السلفيون اهتماماً كبيراً بالتجليات الرمزية للهوية. وفي ورقته التي جاءت بعنوان: (الإحياء السلفي كإطار للتجديد الإسلامي) أكد د. جمال سلطان أن مفهوم السلفية لا يمكن اتفاق الآراء حوله في ندوة أو ندوتين، فرغم أنها النقطة النظرية إلا أننا لم نتفق حول المفهوم حتى الآن رغم الجدل المضني، وقال سلطان إنه يجب الفصل بين السلفية كمنهج اتباع للقرون الأولى والمفاهيم التي لحقت بها في العصور المتأخرة، فتطبيقات السلفية تختلف باختلاف البيئة والزمن والأحداث.
وأكد أن حركة تجديد في المجتمع الإسلامي اليوم لا يمكن أن تمر إلا عبر الإحياء السلفي الكبير الذي يملأ العالم الإسلامي اليوم؛ حيث إن هناك إحياء سلفياً طاغياً في الأجيال المسلمة الجديدة، وهي حاضنة أي نهضة أو تجديد، وهذا ما ينبغي أن نركز عليه ونؤكده بعيداً عما خرج من توجهات تصادمية ومتشددة وعنيفة تنسب للسلفية الجهادية.
ونبه د. سلطان إلى أهمية التوافق وإحسان الظن وإخلاص النية في توجُّه السلفيين نحو التجديد والنهوض بالأمة؛ فالمنهج السلفي هو الكفيل بإقلاع الأمة نحو النهوض من جديد وليست الأيديولوجيات والتوجهات الأخرى التي قد تدخل مع السلفية في مواجهات وإساءات ليست من مصلحة الأمة. واختتم هذه الجلسة الدكتور عبدالرحمن الزنيدي الذي تحدث عن مفهوم السلفية من حيث هي اتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، واتباع سلف الأمة الصالحين؛ فالسلفية تتبين في الصورة النموذجية لتطبيق تعاليم الإسلام التي يتحقق بها الخير للأمة، فهذه الأمة تستمد شعائر التعبد من الوجهين (القرآن والسنة)، كما أنها تستمد مسالك الحياة البشرية من العقل البشري الذي لا يصادم أصول وقيم وثوابت الإسلام.
وكذلك الاجتهاد فيما يستجد من أمور حضارية للوقوف على تعاليم الإسلام في هذا الجانب.
وأشار د. الزنيدي إلى أن منهج السلفية تجدد في العصور المتأخرة على يد حركات إصلاحية، ومنها دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ثم ما كان من إحياء لميراث هذه الدعوة على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله.
بعد ذلك أتيحت الفرصة أمام تعليقات عدد من الحضور من العلماء والمفكرين، ومنهم د. مبارك ربيع من المغرب ود. محمد علي الهرفي من المملكة ود. أحمد عمر هاشم من مصر ومحمد حبش من سوريا ود. محمد علي جوزو من لبنان.