Al Jazirah NewsPaper Tuesday  23/03/2010 G Issue 13690
الثلاثاء 07 ربيع الثاني 1431   العدد  13690
 
نظرة على الأسبوع
أين تشرق الشمس أكثر سطوعاً؟
د. يارمو كوتيلين

 

بدا جلياً أن عملية تعافي الاقتصاد العالمي من حالة الركود الحالية تسير ببطء وتفاوت، كما أن غياب مد قوي قادر على الدفع بكل القوارب إلى الأمام يعني أن خطر الانقطاعات لا يزال يحدق بعملية التعافي تلك. وفي الوقت الذي كانت فيه الاقتصادات الناشئة نجوم العام الماضي، فإن الأنظار الآن ترتد متشككةً إلى بعض الاقتصادات المتقدمة التي استطاعت الخروج من الركود إلى حد كبير، على الأقل من النواحي الفنية.. وحسب تصريحات صدرت مؤخراً عن صانعي السياسات النقدية، فإن هذه النهضة في النشاط سيدعمها موقف نقدي واعد، أقله في المستقبل القريب، مع فرصة ضئيلة لزيادة مقدرة في معدل الفائدة لسنة أخرى على الأقل، ومع ذلك فإن الآفاق أمام هذه الاقتصادات جد متغيرة كما أنها عرضة بصورة غير عادية إلى عوامل المخاطر السياسية.

تحوُّل التركيز إلى الغرب

عقب نجاح سياسة فك الارتباط، قد تبدأ فترة من الاستقرار النسبي مصحوبة بتراجع في خطوات مواجهة الأزمة، وربما تعمل عل سحب الرياح من أشرعة العديد من بورصات الأسواق الناشئة هذا العام.. غير أن هذا لا يعني بالضرورة أمراً سيئاً بالنسبة لها، بل على العكس، فإن قوة الدفع التي أطلقتها توليفة من الإنفاق التحفيزي والمستوى المتميز لعافية اقتصادهم وآفاقه مقارنة بالغرب، قد أفسحت المجال لوضع سوقي أقل ديناميكية وأكثر طبيعية.

في المقابل يبدو أن مستثمرين عديدين شرعوا في البحث عن فرص قيمة في أسواق دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأكثر رسوخاً، ففي حين أن كثيراً من هذه الأسواق مرت بفترة نهوض ما بعد الأزمة باعتبارها اقتصادات ناشئة، إلا أنها تأثرت بأساسيات أقل جاذبية واعتماد كبير على إجراءات الحكومات التحفيزية لفترة من الزمن.. أما الآن فإن الوضع العام يبدو أفضل حالاً، فالعمليات التصحيحية للسوق في مجالات عديدة، بما في ذلك المجال العقاري، بلغت مستوى يجعل من أي انحدار مقبل شيئاً ضئيلاً وتحت السيطرة، وفي الوقت ذاته وجد كثير من الحكومات والشركات الوقت الذي أتاح لها أن تتأقلم مع الأزمة وتعيد تنظيم أمورها بأساليب ربما ستجعلها تتقدم بشكل أكثر مرونة وتنافسية.. والأهم من ذلك أنه وحتى عندما يتم تقليص بعض إجراءات الدعم المخصصة للطوارئ، فمن المرجح أن تظل السياسات النقدية في معظم الاقتصادات الغربية غير متشددة لمزيد من الوقت.

وقد أبرز بيان لجنة السوق المفتوحة التابعة للاحتياطي الفيدرالي بالولايات المتحدة الذي أدلت به هذا الأسبوع، أجواء التغيير السائدة، إذ عبَّرت اللجنة عن تفاؤلها بخصوص آفاق سوق العمل في وقت بلغ فيه مستوى البطالة حوالي 10%، وحتى إن كان من المتوقع أن يسير التحسن في سوق العمل بخطى بطيئة، فإن ديناميكية هذا التحسن تُعتبر إيجابية في حد ذاتها، على الأقل لأن الإنفاق على الأعمال ازداد بصورة واضحة في الربع الرابع من 2009م إلى 5.9%، ومع أن الائتمان المصرفي ما زال مقيداً إلا أن الشركات الأمريكية اتجهت نحو سوق السندات بصورة غير مسبوقة في بيئة راهنة يسودها انخفاض معدل الفائدة، وحسب آخر البيانات الفدرالية.. فإن صافي إصدارات الشركات من القطاعات غير المالية وغير الرسمية بلغ 380 مليار دولار في العام الماضي.. وهو أعلى رقم حتى الآن، وفي حين أن هذا لا يعني بالضرورة تمهيد الطريق أمام طفرة في هذه الأسواق، إلا أنه يطرح آفاقاً منطقية للاستقرار في كثير من البلدان والصناعات، وفوق هذا وذاك فإن الأساسيات تشير إلى عدد من الفرص الجاذبة طويلة المدى.

النمو من خلال القوة

لقد أطاحت الأزمة العالمية بوهم ساد طويلاً.. فحواه أن الاقتصادات الناشئة هي نقاط ضعف الاقتصاد العالمي، بيد أن تلك الاقتصادات ظلت مستقرة اقتصادياً خلال الأزمة.. ويرجع ذلك لأسلوب وضع السياسات المرتكز على قواعد وأنظمة في كثير منها.. ولكن رغم أن خيبة الأمل طغت على الغرب جراء التبذير «البذخ» مقارنة بتلك الاقتصادات، إلا أنه لم يخل تماماً من بعض الإشراقات، فقد بقيت بعض الاقتصادات الغربية مستقرة وناجحة.. مؤكدة بذلك المعادلة الناجحة لنظيراتها الصاعدة، فقد بدا الأفق أفضل من ذي قبل وأقرب إلى أن يظل منيعاً بالنسبة للدول المنتجة للسلع مثل أستراليا وكندا.. ومع التوقعات الإيجابية لأسعار النفط، فإن لكندا فرصة تاريخية في الاستيلاء على جزء كبير من السوق في أميركا الشمالية عبر استغلال احتياطها الهائل من الخام الثقيل «Tar Sand»، ويُعتبر غياب أي مخاطر سياسية أحد أكبر العوامل الجاذبة في هذه الاقتصادات.

التعلُّم بالطريقة الصعبة

استطاعت بعض الاقتصادات المتقدمة استعادة قدراتها التنافسية من خلال عمليات تصحيح مؤلمة.. وأبرز أمثلتها هي ألمانيا واليابان، ومع أن دول الشمال على سبيل المثال مرت عبر عملية إصلاح سياسات بعيدة المدى بعد فترة ركود مؤلمة بشكل استثنائي في بداية التسعينيات، فإن عشرات السنوات الضائعة في اليابان وضغوط ما بعد الوحدة في ألمانيا فرضت هيكلة أساسية على مستوى الشركات والحكومات على السواء.. وهذا ما جعل القطاع الخارجي أكثر تنافسية، وبالتالي في موقع يؤهله للاستفادة من صعود الاقتصاد العالمي، بينما يظل الأسلوب الحكومي في وضع السياسات أكثر محافظة بكثير عما كان عليه الحال في معظم الاقتصادات المتقدمة الأخرى، وما عدا المعاناة المالية الاستثنائية لليابان والتي رغم ذلك تمَّ تحملها بسهولة بفضل معدلات الادخار المحلية العالية، فإن هاتين الحكومتين تجنبتا الأضرار الزائدة.. كما أنهما أقل تأثراً بضغوط ما بعد الأزمة.. صحيح أن اليابان تواجه ضغوطا أكثر حدة على المدى الطويل بسبب تركيبتها الديمغرافية غير المواتية وانكشافها أمام المعدلات العالية، ولكن المستقبل القريب للاقتصاد يبدو صلباً حسب معايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حتى ولو عاودت ضغوط الانكماش زعزعة القوة الدافعة للاقتصاد مرة أخرى.

النمو عبر تثبيت الاستقرار: تماماً كما استفادت كل من ألمانيا واليابان من أخطائهما السابقة، فإن عدداً من الاقتصادات الأخرى في موقف يدعوها لتكرار تلك التجربة واستعادة الثقة عبر العكوف على الإصلاح والتعضيد المالي، ومن بين أبرز المرشحين لذلك المملكة المتحدة والأعضاء الأقل شأناً في منطقة اليورو الأكثر عرضة من غيرهم، وهي اقتصادات أنهكت أعصاب المستثمرين بسبب مشاكلها المالية، وقد أدى ضعف ثقة المستثمرين في تلك الاقتصادات إلى تصحيحات في أسعار الصرف وأسعار الأصول بحيث بدأت ترفع من جاذبيتها للمستثمرين.

وعلى الرغم من تحسن الأساسيات «Fundamentals» فإن المستقبل القريب لا يزال ملبداً بغيوم من عدم اليقين السياسي حول قدرة وإرادة تلك البلدان على تبني إجراءات إصلاحية صارمة، بعد أن ثبت أن الدعم الخارجي مشروط وله أضراره السياسية.. من جانب آخر وخلال الأسابيع الأخيرة، وجد الجنيه الإسترليني نفسه مضغوطاً من قبل مخاوف بأن الانتخابات العامة المعلقة قد تفشل في تقديم فائز واضح أو تغيير في الحكومة، وفي حين أن هذا الوضع قد يؤخر من الإصلاحات الضرورية، من المحتمل أيضاً أن الانتخابات في حد ذاتها قد تعمل على تحسين الوضع من خلال إنهاء حالة الشك واللا يقين والمجيء بحكومة ليست فقط قادرة على تجنب مواجهة القاعدة الانتخابية عاجلاً.. وإنما أيضاً تستعرض قدراتها على مواجهة التحديات الاقتصادية، ولذا فإن الفعل السياسي بعد الانتخابات سيبدو أشبه بما كان عليه قبلها.

على نفس المنوال، أظهرت أيرلندا مثابرتها على الإصلاح، وحتى اليونان تمكنت من تمتين قواعد وأساسات داخلية للإصلاحات الضرورية بطريقة تتبع خطى التجربة الإسكندنافية في مطلع التسعينيات. الخطر الرئيس الذي يواجه هذه البلدان كما يبدو في حالة إسبانيا، يكمن في أنه ما إن تبدأ الضغوط في التراجع حتى يأخذ الزخم الإصلاحي في التلاشي معها.. ما يؤدي إلى حالة متجددة من الانكشاف والتعرض للأزمات.

(*) كبير الاقتصاديين في الأهلي كابيتال



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد