الوهج الذي أشعله مهرجان التراث والثقافة «الجنادرية» والذي حرك العقل الفكري والثقافي وحتى الفني في داخل المملكة العربية السعودية، لم يقتصر على الجوانب المعتادة لموضوعات الثقافة والأدب والفكر. صحيح أن «الجنادرية» منحت الشرعية لأوبريت الوطن، وأهدت المكتبة الغنائية السعودية حصيلة كبيرة من الأغاني الوطنية العصرية، فأصبح للمملكة أكبر رصيد غنائي في المجال الوطني.
كما أن «الجنادرية» حركت النشاط الثقافي والأدبي، فتسابق الأدباء والكتاب في إثراء المجتمع السعودي والعربي في إبداعاتهم، ليتعزز هذا الحراك بتفعيل معرض الرياض للكتاب الدولي، والذي يسبق بدء فعاليات مهرجان التراث والثقافة، ليمد مناسبات التواصل الثقافي التي تتأصل وتتعمق بالطرح الفكري الذي يتبارى كبار المفكرين العرب الذين انضم إليهم نخبة مختارة من المفكرين الأمميين الذين أثروا الحوار بين ثقافات العالم وأدت مشاركاتهم في الندوات الفكرية التي تعقد في أيام الجنادرية إلى تجسير فعلي بين الحضارات والثقافات. فهؤلاء المفكرون هم الأقدر على تقريب الأفكار والتقريب ما بين المفاهيم بين الأمم.
أما أهم إضافة لمهرجان التراث والثقافة محلياً، فهو إحياء الثقافة السعودية الحياتية، وما أعنيه بهذه الثقافة هو كيف يحيى المواطن السعودي..؟ كيف يعيش؟ ما هي صناعاته المحلية؟ وكيف تعامل مع البيئة الصحراوية في الوسط والبحرية في الساحل والجبلية في جبال عسير وسراة؟
ثقافة متعددة ومنوعة أحيتها «الجنادرية» وقدمتها بأسلوب منظم وعصري دون التدخل في مرتكزاته التراثية، ليتكون لدينا مجمع تراثي للثقافة السعودية الحياتية، يشمل الفن والصناعة والمأكولات والصناعات والأنماط العمرانية، والتي تجمعت في مكان واحد من خلال حرص إمارات المناطق على أن يكون للإمارات وجود معزز بإبراز النمط المعماري والحرص على تقديم تراث المنطقة طوال أيام المهرجان. هذا المخزون الثقافي والحراك الإيجابي لرواده من المواطنين والمقيمين يفرض على القائمين على المهرجان استثمار هذا الفعل الإيجابي وتوظيفه لترسيخ المواطنة ووحدة الوطن وزرع الثقافة السعودية والتراث الوطني في أفئدة النشء الصغير ومن يقيم على أرض المملكة. وكم يكون جميلاً أن تستثمر الهيئة العامة للسياحة والآثار نجاح «الجنادرية» والقرية التراثية الرائعة التي تراكم وتكامل بناؤها بوجود حضور ثقافي وتراثي لكل مناطق الوطن، وتجعل من «الجنادرية» مقصداً سياحياً يفتح أيام الخميس والجمعة للمواطنين والمقيمين من خلال تنظيم رحلات سياحية بأسلوب Package Tour «الرحلة السياحة» برسوم تغطي تكلفة التنقل والغذاء وتطور المعروضات.. أين السياحة من هذا الاستثمار الثقافي والاقتصادي؟!!
jaser@al-jazirah.com.sa