Al Jazirah NewsPaper Tuesday  23/03/2010 G Issue 13690
الثلاثاء 07 ربيع الثاني 1431   العدد  13690
 
المنشود
الابتلاء.. ذلك الاصطفاء العظيم!
رقية سليمان الهويريني

 

يتعرض المؤمن لأذى الناس واعتدائهم واضطهادهم في الوقت الذي لا يملك لنفسه النصرة ولا يجد فيها القوة الدافعة التي يواجه بها الظلم والاستبداد؛ وهو ما يصيبه بالإحباط، فتعتريه أحاسيس الضعف وتحيط به مشاعر القهر سيما حين لا يجد من يدفع عنه الأذى، أو لا يعثر على من ينتصر له أو يختفي من يسانده أو يسليه أو يتوجع لأجله.

وقد يكون الأذى البشري أحد أنواع الابتلاء الرباني فيسخط المرء ويتبرم ويتضجر! برغم إدراكه أن الله جل شأنه لا يريد تعذيب عباده المؤمنين ولكنه يؤهلهم لتحمل الأمانة والمسئولية، ويمتحن صدق عقيدتهم التي لا تكتمل إلا بمعاناة الألم، ولا تتم إلا بمكابدة الشقاء؛ ليعلو المرء بصبره على طغيان شهواته، وليسمو بثقته الحقيقية بنصر ربه، وبجزيل ثوابه مهما كان طول الشقاء أو شدة الابتلاء.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، لقد كان أحدهم يبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها فيلبسها، ويُبتلى بالقمَّل حتى يقتلُه، ولأحدهم كان أشدَّ فرحاَ بالبلاءِ من أحدكم بالعطاء).

وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن يمتحن الله النفوس، ويبتلي الأجساد، ويمحِّص القلوب ليظَهر جَلدها وما تشتمل عليه من صبر، فتأتي بعدها المكافأة بالاختيار والانتقاء، ويدخل المرء مرحلة أخرى وسلسلة أقوى من الاختبارات القاسية التي تقتضيها مرحلة الموالاة وهي درجة تأتي بعد الاصطفاء وقبل الفردوس! يقول عز وجل: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.

وبرغم ما للرسول عليه الصلاة والسلام من جلال ووقار في نفوس الناس إلا أنه أشد من تعرض للأذى والسب والشتم والمقت، فقد جرت سنة الله في خلقه أن يُعرَّض المؤمن لتلك الاختبارات والابتلاءات في الوقت الذي يرى فيه غيره من الناس ممن لا يفوقونه علما ولا عقلا، ولا يقصر دونهم فكرا ولا أدبا، يتقلبون في درجات النعيم الدنيوية، وينتقلون من نجاح إلى تفوق، وتهيأ لهم الأسباب وتفتّح لهم الأبواب وتذلل أمامهم الصعاب، وتخضع لهم الرقاب، وشأنهم يعلو من حال إلى حال أفضل، بينما يرى نفسه غريبا ضعيفا، تمزقه الحيرة ويبدده الوهن، وتتوق نفسه غبطة دونما حسد لهم! ولكنه طبع الطين حين لا تسمو به النفس المصهورة بالنقاء، وفتنة الرغبة في النعيم عندما لا تردعها قوة الإيمان، وطول الأمد حين لا يقطعه الذكر والاحتساب، وبُعد النصر عندما لا تقصر به الثقة بالله.

وفي خضم عنف الابتلاء، ومعترك الامتحان ما يلبث المرء أن يرده إيمانه إلى خالقه، فيؤوب له، مستغفرا ربه منكسرا، طالبا عفوه، راجيا أن لا يؤاخذه على ضعفه، مسترجعا أن لا يحاسبه على خوره، مدركا أن الجنة حُفت بالمكاره كما زينت النار بالشهوات.

قال صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجلُ على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً، اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقةُ ابتلى على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة).

وحين تثبت النفس، ويتجلد الجسد، وتصمد الروح محتسبة تارة وفخورة تارة أخرى بأنها ممن وقع عليهم الاختيار والاصطفاء الإلهي ليكونوا خاصته -خاصة الله وأولياؤه- يعلن الفجر انسلاخ ليلة حالكة الظلام، ويصدح أذان النصر، وتنشر الشمس أشعة الفرج، وتعلن النتائج، ويفوز بالامتحان؛ ليدخل زمرة الفالحين الفائزين ممن هم بربهم مؤمنون وبقضائه راضون.

www.rogaia.net

rogaia143@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد