هل الدعوات التكفيرية، وفتاوى تحليل الدم والهدم، من أجل الحفاظ على بدعة مفهوم الاختلاط -مثلاً-، تأخذنا بعيداً عن قضايانا المهمة والملحة، مثل موضوعات الفقر، والفساد، وقضايا التعليم والصحة، والقضايا التنموية في البلاد..؟
سؤال جدير بالاهتمام، ونحن نتابع هذه الغرابة والتشويش في الخطاب الديني المتشدد، لكن أيضاً لنتذكر أنه وفي الغرب والشرق، هناك مساحة في الإعلام لقضايا الإثارة وفضائحه، قد تتخذ بعداً مختلفاً، وتجد متابعة كبيرة من الجمهور، وتصبح تسلية للرأي العام، واحد قصص الإعلام، الذي يتابع تطورات فضائح وقضايا العلاقات وخيانات جنسية غالباً للمشاهير والسياسيين ورجال الدين.
في إعلامنا لا نتعاطى مع قضايا الجنس وفضائحه، وقد ننقل بعض الفضائح الكبرى للجمهور من باب الاطلاع ليس إلا، فالخيانة الزوجية مثلاً-، تتم تحت الأرض وبسرية وأشكال مختلفة، ولا يجوز الحديث عنها، أو التلميح لها، من باب الستر، أو من أبواب أخرى، إضافة إلى اختلاف المركب الحضاري والثقافي، حيث التعدد وأنواع الزيجات المختلفة متاحة ومشرعة، مما يجعل الفضائح الجنسية والتحرشات، قضايا محدودة أو غير معلنة!
لكن أيضاً لنا فضائحنا، التي يتناقلها الإعلام باهتمام، كونها مادة مهمة ومسلية ومثيرة وغريبة، وفضائحنا هي في الغالب فضائح فكرية، وحدث أن لها ارتباطاً بجانب من الخطاب الديني، وهو ما تظهره سهولة واستسهال وفوضى الفتوى الشرعية، فمن فتوى تدعو إلى قتل ميكي ماوس، وأخرى تحرم الورود، وثالثة تدعو إلى قتل من يقول بجواز الاختلاط المبتدع، ورابعة تتجاوز إلى فكرة تتعلق بهدم الحرم وإعادة التصميم لمنع الاختلاط!، وخامسة تتعلق بتحديد شروط المباريات الرياضية الشرعية، وسادسة تتعلق بمنع المرأة من دخول غرف المحادثة الإلكترونية دون محرم.... إلخ...!
وعلى الرغم من تفاوت خطورة وطرافة مثل هذه الفتاوى، فإنه في النهاية تشكل مادة مثيرة للرأي العام، وتتعاطى معها الصحف ووسائل الإعلام من باب الغرابة، وعلى طريقة النظرية الإعلامية الشهيرة، الخبر هو «أن يعض الرجل الكلب، وليس أن يعض الكلب الرجل!».
الخطاب الديني، يفقد اليوم الكثير من شعبيته نتيجة تشدده وغرابة طرحها، فالخطاب الديني متفرغ للدفاع عن نفسه، أو الهجوم على الآخر، وهو المسؤول عن فضائحه، والذي يحدث ان الرأي العام أصبح يكتشف سهولة الفتوى، ويتابع كيف أن خطاب شيخ أو رجل دين ليس خطاباً مقدساً، أو خارج سياط النقد الجماهيري، خصوصاً وهو يعري نفسه بهذا الشكل ويتحول إلى قصص تشبه قصص الفضائح في الإعلام الغربي.
والفرق مرة أخرى ان القصص هنا، ذات علاقة بالخطاب الديني، وهناك ذات بعد جنسي، إلا أن كلها فضائح، مع اختلاف حجم الضرر والعطب التي تحدثه!
إلى لقاء.