نغمة المختص، أو الاختصاصي باتت كنغمات الهاتف «الجوال» أو «المحمول»، فرغم وفرتها وتنوعها فإنه لا يفيد منها سوى القليل للأسف، فكل جهة خدمية تتظاهر بأن لديها من المختصين ما يكفل للعمل نجاحه القياسي، أو يضمن للخدمة سرعتها، لكنك حينما تعايش التجربة وتكتشف أخطاءها ستتيقن لا محالة أن فحوى التخصص، أو المتخصص، أو الاختصاصي في وادٍ، وهذه الادعاءات في وادٍ آخر.

فكل مؤسسة، أو شركة لا تكف عن الادعاء أن لديها العديد من الإخصائيين المهرة، فمن الأهمية بمكان أن نقف بصدق وموضوعية أمام هذه القضية، لنناقش صيغ هذا التذييل المستمر لكل عبارة تقدم فنيي أي مهنة بوصف «مختص» أو بأنه «ماهر»، لتتلازم في هذا السياق المكرر والعبثي صفة التخصص مع المهارة من قبيل التبهير، أو التتبيل، أو ذر السكر على الملح، أو أي شيء يمكن أن يسيل لعاب الزبون الذي سرعان ما يكتشف مجانية المصطلح لحظة انتهاء هذا العمل أو ذاك.

في خضم ذلك بات السباك مع بساطة مهنته مختصاً، ومعلم الشاورما علماً فذاً، والعامل الكهربائي خبيراً، وقد تخال أن مقدمي خدمات الشاي والقهوة مقلدون بأوسمة التميز والبراعة. حتى وسائل نقل العفش من منزل إلى آخر لا بد أن يفك ويركب بأيادي هؤلاء المختصين عاليي المستوى!! ولك أن تتمثل حتى تكل هذه الأشياء التي تقترن فيها صفة الاختصاص والمهارة على نحو باهت وساذج.

فقد لا نختلف كثيراً حول أمر هذه المهن التي لا تتطلب من البعض وصفها بأكثر مما يجب، إنما من المفيد أن يكون هؤلاء العمال بالفعل مدربين ومتمرسين في الأصل لا أن يأتوا إلينا ليتعلموا بما نمتلكه من أجهزة وأدوات بحجة السوق والعرض والطلب، ففيه الجيد على حد زعمهم والرديء وعليك الفرز لكن بعد أن تجرب وهذا هو الخطأ.

وبما أن نغمة المختص ولدت مع متطلبات السوق وحاجات الاستهلاك، بل واستقدمت مع كل نوازع التحريض لطالب الخدمة، والاستمالة للمستهلك، فإننا ندرك أن هواجس النقص والدونية قربت ادعاء العالمية والدولية أيضاً حتى أنها باتت تستجلب، لتجد أن فوالاً وحيداً في قرية ما يعلق فوق محله المتواضع «الفوال الدولي».

المسؤول عن سوق العمل يتظاهر عادة بأن الأمر غاية في البساطة، فالأمر يراه مجرد عبارة جاذبة للزبائن لا ضرر منها، في وقت يدفع صاحب الخدمة ضعف ما يمكن أن يدفعه ولا سيما حينما يتظاهر المختص المزعوم أنه قد رتب الأمر، وأتقن المهمة، على الرغم من علمنا بأن المراكز الخدمية لا تزال بحالة يرثى لها، فلا داعي إذن إلى الادعاء والتحذلق طالما أن الغذاء له مقادير ثابتة ومكونات واحدة وتجده في أي مكان، إلا أنه مع وضع عبارات المختص أو الاختصاص أو الدولي أو العالمي يتحول الأمر إلى مجرد لعبة تسويقية سرعان ما تكتشف أنها واهية.. فلا مختص ولا هم يحزنون.