صديقتي «تشينيانق» الآسيوية، حدّثتني ذات يوم صاعق من شتاء أقصى الشرق عن طقوس رياضتها التبتية الحركية الممزوجة بالتأمُّل العميق,..
وكلّما هاتفتني، أو كاتبتني تسألني إن كنت لا أزال حريصة على التأمُّل، وقتاً من اليوم للرحيل خارج مكوك الانشغال، حركة وفكراً..,...»، أم تباطأت بالرّكون، الذي عوِّدت الناس عليه، ثقافةُ العمل بلا استراحة..؟، «..تشينيانق» ماهرة في تقمُّص سمة البخار، حين تتبخّر عن صلابة العظم في تكوينها، لخفة البخار في تصاعده فتهرب بروحها، خارج نطاقاتها المادية، حين تترك للأرض كل شيء ملموساً، وتفرغ لنفسها,..
وثقافة رياضة التأمُّل, موغلة في تاريخ الإنسان، بل الإنسان ذاته من أخذته أخيلته، وحاجاته، للتأمُّل، فأدرك ماهيّته في كون الله العظيم، واكتشف علاقاته بكل شيء،.. الإنسان ذو العقل، ذكي في التعامل مع رغباته, لذا لم يجهل التأمُّل، كلّما شاء التخلُّص من بقايا الكلام، ووشم الأفعال، وبصمات المواقف الكفيلة كل يوم في عمره، لأن تطمسه في ظلاماتها، تمنحه كميات من الألم، وكؤوساً من الحزن، فيذهب خارج إدراكه للحظات، ليتطهّر من آثارها، فالاختلاء بالذات كفيل بكشف دفين ما فيها.., ومثل هذه الممارسات موسومة بعائدها، يفسره الإنسان كيفما اتجهت بوصلة مفاهيمه، ومداركه، وارتباطات يقينه، ومعتقده، « تشينيانق» ذات ثقافة دينية مادية، لذا نتقاطع في نقطة ونختلف في الاتجاهين، هي تمارس خروجها عن الماديات فوق سطوح تماسها, لتطلق ذاتها بحرية، يبدو لها معها، أنها تجوب عوالم موغلة في الدهشة، والماء... والفضاء، وإكسير حياة، يعيد لها رونق الانتعاش، بينما حين أفعل، أحدثها بتماس الكينونة لمقاماتها بين خلق الله، حين عائد التأمل صغر النفس، وضعف الماديات، بدءاً بالجلد والعظم، وانتهاءً بالماهية الخفية فينا، تلك التي لا نملك من أمرها شيئاً، وهي الروح،....
فمن حيث تتبصر «تشينياق» في ذاتها..., أتبصر في عظمة من خلق هذه الذات...
آخر بريد وصلني منها جاءت عبارتها التالية: «صديقتي، لابد أن ألتقي بك قريباً، لقد عجزت عن ممارسة رياضتي كما تعرفين، فشيء ما يحرضني بقوة نحو اتجاهك..»...
يا لعظمة الله.., ومشيئته في خلقه تعالى...
لو أنّ ممارسة التأمُّل، تفضي للإيمان عند كل الناس، لتطهّرت
الأيام، وانجلت ظلمة المواقف، ورهق الآلام، ووحشة الأحزان..