Al Jazirah NewsPaper Saturday  20/03/2010 G Issue 13687
السبت 04 ربيع الثاني 1431   العدد  13687
 

مثقفو الجنادرية يستهلون أنشطتهم الثقافية بتكريم الشيخ عبد الله بن إدريس

 

الثقافية - علي بن سعد القحطاني:

استهلت الأنشطة الثقافية للمهرجان الوطني للتراث والثقافة (جنادرية 25) بندوة تكريم شخصية سعودية، وذلك في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات بفندق الإنتركونتيننتال مساء الخميس 2-4-1431هـ، وشارك فيها كلٌ من د. حسن بن فهد الهويمل والأستاذ إدريس بن عبد الله إدريس ود. محمد الربيع ود. سعد العطوي، وأدارها د. عائض الردادي.وقد قدم الندوة الزميل الدكتور إبراهيم التركي منسق الندوة ومقررها، وأشار فيها إلى علاقته بالشيخ عبدالله بن إدريس ود. عائض الردادي مدير الندوة وضمنها أبياتاً شعرية (سيتم نشرها في المجلة الثقافية الخميس القادم).

البُعد الإنساني

بدأت الندوة بورقة للأستاذ إدريس بن عبد الله إدريس بعنوان (عبد الله بن إدريس الذي لم ترونه) .. تحدث خلالها عن الجوانب الشخصية للأستاذ ابن إدريس وصفاته التي لم تخل من ورع ونزاهة، ورأى الأستاذ إدريس أنّ أكثر صفة أحبّها في شخصية والده هي (العدل) وقال: أكثر صفة أحببتها في أبي لما كبرت هي العدل، وكانت هذه الصفة في أبي تزعجني منه في صغري وتتعبني الآن في كبري لأنّ عدله بين أولاده كان يتعارض مع رغباتي وأنانيتي.

كان أبي من الآباء الذين يحبون أن يرفهوا عن أبنائهم بقدر ما يجدون، ولهذا سافرنا منذ عمر الطفولة المبكرة إلى لبنان وسوريا ومصر ولندن ليس لحاجة رئيسة دائماً بقدر ما أحب هو أن نتمتع في الخارج بما ليس يتوفر في الرياض .. كان الوالد - يحفظه الله - في مرحلة صغرنا يجلب بعض المأكولات من خارج المنزل (من شارع الوزير وكان أرقى شوارع الرياض في حينها وشارع الظهران أو البحر الأحمر في الملز)، وكان يجلب بعض الشاورما والفرّوج وبعضاً من أنواع الشابورة الطرية الطيبة في حينها حين لم يكن ذلك في الرياض إلاّ ضرباً من البدع، وكنت وأخي سعد غالباً ما نكون حاضرين متمركزين في مواجهة والدي عندما يحضر مثل هذه المأكولات الشهية التي ترقى إلى مستوى ماكدونالدز وسواها من المأكولات السريعة عند أطفال اليوم، أما سامي وزياد فكانا على صغر بيّن لا يرقى لتذوُّق هذه المأكولات بعد، وكان أخي الأكبر عبد العزيز لا يحب هذه المأكولات لكن ذلك مع شيء من التمنع والدلع الذي يكون عليه - عادة - الولد البكر، وكنا أنا وسعد نفرح لبعض دلع وتمنع الأخ عبد العزيز عندما يرفض هذا الأكل فنفرح لعلّه يكون من نصيبنا، لكن أبي لم يكن لعدله يرضى أن نأكل حصة عبد العزيز، فكان لذلك يحاول ويحاول فيما عبد العزيز يرفض ويرفض وأنا وسعد نأمل ونأمل، لكن العادل لا ييأس ويبذل المحاولة، بينما أنا وسعد نحقد عليه في دواخلنا حتى إذا فقدنا الأمل أنا وسعد ونمنا وفَقَد أبي الأمل في عبد العزيز يقوم - رضي الله عنه - بإيقاظنا أنا وسعد ويعطينا ما رفضه عبد العزيز بعد لأي، فننهش ما بقي على تمنع مني وسعد، لكن العدل هنا مثال طريف وبعيد، لكنه استمر حتى عمرنا الذي كبر كما ترون، فلقد جاءني والدي - يحفظه الله - أكثر من مرة وأعطاني مالاً لم أطلبه ولست في حاجته، فإذا لحظ ارتفاع حاجبي دهشة عن سبب هذه الأعطية، قال إنه أعطى أحد إخوتي مالاً لحاجته ولن ينتظر أن يعيده، لكن لا يريد لأحد أبنائه أن يستأثر بشيء دون الآخر، ولعلمكم فهذه الخصلة العظيمة الفريدة أكثر الخصال التي أزعم أنني اكتسبتها منه، لأنني رأيتها عين الإنصاف في الحضر والغياب وأنا أفعلها قدر الإمكان الآن مع عيالي كما فعلها معنا أبي.

النزاهة المالية

وأشاد الأستاذ إدريس بورع والده الديني ونزاهته المالية وقال:

ومن صفات الوالد اللافتة التورُّع الديني والنزاهة المالية، أما التورُّع الديني فقد لمسته في أبي من خلال تعليقات بعض زملائه وأصدقائه الذين يسافرون معه في مهمات عملية إلى خارج المملكة، وكان على خلاف بعضهم لا يتعاطى الممنوعات من اللحوم البيضاء والسوائل، فكان مثار تعليقاتهم الساخرة المازحة لفرط تورُّعه وتقاه. أما نزاهته المالية فأمرٌ يشهد به واقعه المالي نسبة لتأهيله المميّز المبكّر ونسبة لعلاقته النوعية مع الملوك والأمراء، لكنه لم يصب من الثراء إلاّ الكفاية أو فوقها ولله الحمد، لكنها كفاية ليست مشوبة بمحذور مالي ديني، وعن النزاهة المالية فدعوني أعطيكم مثالاً قريباً:

كنت نائباً لرئيس تحرير جريدة الوطن وكان والدي حينها يكتب زاوية أسبوعية في جريدة الجزيرة، ثم تحوّلتُ نائباً لرئيس تحرير جريدة الجزيرة، وكان والدي يتلقّى مكافأة شهرية على مقالاته في الجريدة، وحين أجرى والدي - يحفظه الله - عملية جراحية في ركبتيه ورقد في المستشفى توقّف تبعاً لذلك اضطراراً عن الاستمرار في الكتابة خلال تلقّيه العلاج، لكن مكافأته الشهرية من الجزيرة استمرت ترد إلى حسابه البنكي، وحين غادر المستشفى إلى المنزل لاحظ أنّ المكافأة مستمرة، فقال لي ذات مرة يا ولدي نبِّه الأخ الأستاذ خالد المالك وقل له إنهم محوّلون لي مكافأة شهرية عن الزاوية وأنا لم أكتبها وإنني أريد إعادة المبلغ إليهم لأنني لا أستحقه. هوّنت على والدي وقلت له إن رئيس التحرير يعلم أنك لم تكتب وتم تحويل المبلغ، باعتبار أنك لم تكتب لظرف صحي ولم تتوقف اختيارياً، لكن والدي أصرّ وقال هذا المال حق عام لأعضاء الجمعية العمومية ولا يرضون أن آخذه مقابل ما لم أكتبه، أشكر لي الأستاذ خالد المالك وقل له إما أن أعيد المبلغ أو أن أكتب الشهر القادم لكن بلا مقابل .. هذا مثال على النزاهة قريب لكنه ليس الوحيد ولسنا في مجال التعديد، وإلاّ فإنّ الوالد وصل إلى درجة مدير عام في كثير من القطاعات الحكومية التي عمل فيها، ولم يستخدم المتاح ولم أقل المباح من سيارات عامة مثلاً كما كنا نرى نحن أبناؤه بعض من هم أصغر منه وظيفياً يكشتون في سيارات الوزارة. كما أنه، وهو المؤلِّف، لم يستغل وظيفته المنسجمة غالباً مع هويته الثقافية في طباعة أحد كتبه أو دواوينه، لا في وزارة المعارف ولا في جامعة الإمام، ولا حينما كان رئيساً لتحرير جريدة الدعوة، ولا في كونه عضواً أو رئيساً للنادي الأدبي، ليس هذا فحسب، بل إنّ كتابه الرائد الرائج (شعراء نجد المعاصرون) بقي سنين عديدة على طبعته الأولى. وكان الوالد يتلقّى العديد من العروض لإعادة طباعته مجدداً، لكنه كان يرجئ الأمر إلى حين ميسرة، لأنه لا يريد منّة لأحد.

مجلة الدعوة

ورأى الأستاذ إدريس عبد الله إدريس أنّ والده نجح في رئاسة تحرير مجلة (الدعوة) وجعلها صحيفة لافتة بتميُّزها ونهجها المغاير للسائد عن الصحف الملتزمة، وتميُّزها أيضاً بشيء من الجرأة والشفافية ولتميُّزها بالتنوُّع المنسجم مع شخصيته المتسامحة، فلم تركن الدعوة إلى التقليد والمنهج النمطي السائد، ولكنها كانت فريدة في شكلها ومحتواها بصورة جعلتها صحيفة مقروءة يعتد برأيها ورصانتها ونوعية كتابها، وعندما قام الوالد وزملاؤه بتبويب جريدة الدعوة في بداية صدورها وضع ضمن أبوابها الرئيسية صفحات رياضية .. وصفحات للمرأة .. وثالثة للطرائف والملح. ولك أن تتخيل جريدة تصدرها مؤسسة سلفية محافظة ترضى أن تركض خلف الكرة .. وتخص المرأة بصفحات تهتم بشؤونها وشجونها .. والثالثة انها صحيفة جادة لكنها تدع مساحة محسوبة للطرائف والملح، أي أنها تمزح لكن بقدر لا يهزّ وقار القلعة الدينية في دخنه فمن وراء ذلك؟ ... إنه عبد الله بن إدريس رجل التوازنات، ولولا أن الشيخ محمد بن إبراهيم يعرف طوية ابن إدريس لما رضي بوجود هذه الصفحات في جريدة إسلامية تدار من مؤسسة سلفية محافظة.

تجارب شعرية جديدة

وأوضح الأستاذ إدريس بن عبد الله إدريس أنّ والده من أوائل الذين احتفلوا بالتجارب الجديدة للشعراء، وكذا الحال عندما كتب بحثاً مستفيضاً عن الحركة الشعرية الجديدة في المملكة، واحتفى فيه بتجربة الشاعر علي الدميني وغيره من شعراء الشباب الذين قادوا الموجة الشعرية الحديثة، وأثنى فيها على تجاربهم، ومنهم الشاعر محمد الثبيتي والشاعر عبد الله الصيخان والشاعر محمد الحربي والشاعرة خديجة العمري وغيرهم ... هكذا هو عبد الله بن إدريس لا يصادم عصره، إنه كما سمّاه الناقد الكبير عبد الله الغذامي أديب التوازن، فهو في نظري شيخ الشباب وروحه ما زالت شابة وهو في عمر الشيوخ.

مقاربات أدبية

بعد ذلك ألقى الدكتور محمد الربيع ورقة عمل قال فيها (لقد وضعت خطة لبحث بعنوان (مقاربات أدبية لبعض مواقف وآراء ابن إدريس الأدبية والنقدية)، وقد بدأت بقضية مهمة وهي أنّ الأستاذ ابن إدريس تحدث في كتابه (شعراء نجد المعاصرون) عن عدد كبير من الشعراء النجديين وفي وقت مبكر جداً، أغلبهم كانوا من الشباب وفي بداية عمرهم الأدبي والشعري، وعرف في شعره وقوّم هذا الشعر بآراء أدبية.

عقب ذلك ألقى الدكتور الناقد حسن الهويمل ورقة العمل الخاصة بموضوع الندوة، تطرّق من خلالها إلى النسق الثقافي الذي عُرف به الأديب عبد الله بن إدريس، مشيراً إلى أنّ انشغال ابن إدريس المبكّر بعدد من المناصب حالت دون متابعته للأدوات الأدبية.

وتحدث الهويمل عن القيمة الأدبية للمحتفى به لافتاً إلى انها قيمة كبيرة، حيث كان أحد المؤسسين للحركة الأدبية في المملكة. وأبان الدكتور الناقد حسن الهويمل أنّ كلّ مؤرِّخ للحركة الأدبية في المملكة لابد أن يجد عبد الله بن إدريس من أبرز الروّاد الفاعلين في المجال الأدبي.

التحوُّلات الشعرية

وقد تحدث الدكتور مسعد العطوي في ورقته (التحولات الشعرية في شعر ابن إدريس)، عن شخصية المكرّم لهذا العام الأستاذ عبد الله بن إدريس ووصفه بمثقف يمثل الوسطية الفكرية التي تتواءم مع تجليات العصر، يحمل فكراً متنوراً، وعلماً شرعياً واسعاً، ومتابع واعٍ بالتكوين الثقافي العالمي والتكوين الإداري والاجتماعي، والصراع الحضاري أو التلاقي الحضاري.

وأضاف الدكتور العطوي (إذا تأملنا في المكانة الشعرية التي نصنّف ابن إدريس من خلالها، لقلنا إنه شاعر القيم الأخلاقية السلوكية، فهو يلج للقيم الإنسانية التي تعلو لبناء الإنسان، وتجدوله في مسيرته الشاعرية القيم الدينية التي تلبس بها، وتمحور شعره في إطارها، والمتفحّص لشعره ينفذ إلى رؤيته الفكرية والفلسفية، بل يدرك التصالح بين العقل الذاتي للشاعر وتلك الرؤى وروح المثالية الفكرية والأدبية المعاصرتين).

ثم استعرض الدكتور مسعد العطوي بعض النصوص الشعرية للشاعر ابن إدريس وقراءة فنية تفنّد مكنوناتها الشعرية والفكرية والأدبية، ويظهر من خلالها بعض جوانب شخصية الشاعر.

المداخلات

- تحدث د. محمد آل زلفة عن تجربته مع الشيخ ابن إدريس حينما أراد أن ينشر مقالته عن زيارته لأثينا عام 1969م في مجلة الدعوة، وتجربته الأخرى حينما ألقى محاضرة عن (الرياض في مذكّرات الشيخ عبد الله فلبي) في أروقة النادي الأدبي بالرياض إبان ترؤس الشيخ ابن إدريس، وذلك بمناسبة العاصمة الثقافية العربية.

- أشاد د. حمد السويلم بالرؤية النقدية لشخصية المحتفى به، وقال إنه أحد الروّاد الذين وضعوا اللبنات الأولى في المجال النقدي في بلادنا ومنهجه في (شعراء نجد المعاصرون) يتركّز على التذوُّق والناحية العلمية.

- رأى د. أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر السابق أنّ الشيخ ابن إدريس من الشخصيات التي تألّقت في سماء الإبداع والأدب والتراث.

- اقترح د. محمد خضر أن يضطلع المهرجان للأعمال الكاملة للشخصيات المكرّمة طيلة 25 عاماً لاسيما أنّ بعضها مفقود والبعض الآخر لا يزال مخطوطاً.

- تحدث د. أحمد بن يحيى البهكلي عن باع المحتفى به الطويل في مجال التربية والتعليم منذ زيارته لمعهد صامطة العلمي قبل أكثر من 40 عاماً حينما كان مفتشاً في الرئاسة العامة للكليات والمعاهد العلمية.

- أبدى د. عبد القدوس أبو صالح إعجابه بقصيدة ابن إدريس حينما رثى نفسه وزوجه:

أأرحل قبلك أم ترحلين

وتغربُ شمسي أم تغربين

- اقترح د. نبيل المحيش أن يتم تكريم أكثر من شخصية العام المقبل ومن ضمنهم مبدعو ومبدعات هذا الوطن.

- أشاد الدكتور الجزائري عبد الله حمادي بورقة الأستاذ إدريس إدريس حينما تحدث عن والده وقال إنها شبيهة بورقة نازك الملائكة حينما تحدثت عن والدها، وشبيهة أيضاً بورقة أحد الأدباء حينما تحدث عن والده الذي يعتبر من كبار شعراء الجزائر.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد