إن التطور الذي تشهده الأنظمة الإحصائية في العديد من بلدان العالم المختلفة يعطي دلالة واضحة على أهمية المؤشرات والبيانات الرقمية في اتخاذ القرارات التخطيطية والسياسة الاقتصادية والاجتماعية بما يلبي الحاجات التنموية لأي بلد كان.
ولم يعد استخدام الإحصاء بصنع القرار التنموي أحد رفاهيات العصر أو نتاج للتقدم التكنولوجي فقد عرف منذ أقدم الحضارات قيام الحكومات بجمع الحقائق عن مواطنيها فعلى سبيل المثال اشتهرت نظم الحكم الروماني في أغلبها بالعد والإحصاء، كما يوجد أدلة على إحصائيات محلية لدى قدماء البابليين والفراعنة، وقد أجرت الصين تعداداً كاملاً للسكان في عام 1370م كما أجرى غزاة الشمال مسحاً للسكان في إنجلترا في القرن الحادي عشر وقد كانت هذه التعدادات والمسوح محدودة حيث اقتصر الغرض منها على جمع المعلومات المتعلقة بالضرائب والخدمة العسكرية.
وشهد الربع الأخير من القرن العشرين تزايداً سريعاً لعجلة التنمية في معظم دول العالم وتميز بخطى التقدم السريعة في المجال التكنولوجي، ومع مطلع القرن الواحد والعشرين بدا واضحاً التغير الملحوظ في جميع النظم العالمية على جميع مستوياتها وقد جاء ظهور ذلك التغير نتيجة حتمية ومباشرة للتطور التقني الهائل والطفرة المتسارعة في عالم الاختراعات والاكتشافات، ولا شك بأن لهذا التغير الأثر الأوضح على سلوك وحياة المجتمعات السكانية قاطبة وعلى طريقة تعاملها وتفاعلها، ونتيجة لذلك كله برز للبشرية نظام عصري حديث يدعى بالنظام العالمي الجديد ذلك النظام المتميز باتصاله السريع وتأثره الشديد بالتغير الطارئ على أي مفردة من مفرداته. وكمطلب للتعايش ضم هذا النظام العالمي فلا بد من توفر قاعدة عريضة من الحقائق والركائز والمعلومات لمعرفة مضامين ذلك النظام من ناحية ومعرفة كيفية التعامل معه واتخاذ القرارات المناسبة تجاهه من ناحية ثانية، وعليه فليس مستغرباً في وقتنا الحاضر أن يكثر الحديث عن البيانات والمعلومات والمؤشرات سواء كان ذلك الحديث عن ندرتها أو كيفية الحصول عليها أو توحيد مصادرها أو سبل إنتاجها، بحيث أدى ذلك إلى ظهور صناعة جديدة تسمى صناعة المعلومات. إن الحديث عن المعلومات بمعناها الواسع حديث يطول لذلك سوف يتم الاقتصار على الحديث عن نوع هام من أنواع المعلومات وهو المعلومات الإحصائية، نظراً لعلاقتها القوية بجميع العلوم وبمجالات العمل المختلفة بشكل عام وبالمجال التنموي بشكل خاص. فإما أن تكون المعلومات الإحصائية عامة على المستوى القومي وشاملة في تغطيتها لجميع مفردات المجتمع كالتعدادات أو البحوث والدراسات العينية المتخصصة أو السجلات الحكومية أو التاريخية. أو تكون المعلومات الإحصائية عبارة عن استطلاعات أو دراسات تختص بظاهرة معينة لفئة محدودة من المجتمع ولها أهداف خاصة ومحددة. وكلا النوعين من الإحصاءات له أهميته وفوائده واستخداماته من قبل شرائح متعددة من المجتمع وجهات عديدة سواء التابع منها للقطاع العام أو الخاص ويأتي في مقدمة هؤلاء المشتغلين في أجهزة التخطيط وراسمي السياسات التنموية ومتخذي القرارات. وفي عصر مليء بالمفاجآت والمتغيرات وفي عصر السرعة وتكنولوجيا الاتصالات أصبح من الضروري اعتماد القائمين على التخطيط التنموي ومتخذي القرارات الاستعانة بقواعد المعلومات الإحصائية المتاحة للوصول إلى تخطيط تنموي شامل وسليم، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الطلب على البيانات والمؤشرات الإحصائية. ومن المسلم به بأن الدور الذي تلعبه نظم المعلومات الإحصائية يعد دوراً هاماً وحيوياً ومتنامياً في عملية التخطيط سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص نظراً لما توفره من ركائز هامة وضرورية تساعد في تنفيذ أعمال التخطيط وبناء الخطط التنموية واتخاذ القرارات، خاصة مع تعدد وتزايد مجالات التنمية وتنوعها، وتعتمد الجهود التي تبذل في وضع وإعداد خطط التنمية على مدى توفر قواعد من المعلومات والبيانات الإحصائية وسهولة الحصول عليها، وبحيث تتصف هذه المعلومات بجودتها ودقتها وشمولها وكفاءتها. لقد أدركت حكومة المملكة العربية السعودية ومنذ وقت مبكر ما للمعلومات الإحصائية من أهمية وتمت ترجمة هذا الاهتمام بشكل عملي تمخض عن إنشاء مصلحة الإحصاءات العامة في العام 1379هـ التي أنيط بها مسؤولية تحديد المتطلبات الإحصائية والعمل على إعداد البرامج اللازمة لتوفير تلك المتطلبات، وقد استوعبت المصلحة من يوم مولدها الطلب المتزايد على المعلومات الإحصائية من قبل جميع الأجهزة القائمة على التخطيط في الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص وذلك راجع لوعي هذه الأجهزة وإدراكها بأهمية اعتماد الخطط العامة والخطط التنفيذية الخاصة بها على المعلومات والإحصاءات الشاملة والدقيقة والتي لا تستطيع تلك الجهات توفيرها دون الرجوع إلى مصلحة الإحصاءات العامة مهما تعددت المصادر الإحصائية سواء المحلية أو الإقليمية أو العربية أو العالمية. ولأن حكومة المملكة العربية السعودية ومنذ أكثر من ثلاثة عقود قد اتخذت من التخطيط الأداة الرئيسية للتنمية في المملكة من خلال خطط التنمية الخمسية التي أسندت إلى وزارة التخطيط مهمة إعدادها وتنسيقها على مستوى المملكة بالتعاون مع كافة الجهات الحكومية ومشاركتها ومن هذه الجهات مصلحة الإحصاءات العامة التي عملت جاهدة ووفق إمكاناتها على توفير كم كبير من المعلومات الإحصائية الشاملة التي ساهمت وبشكل فعال في بناء هذه الخطط. ولا شك بأن التوجهات المستقبلية للتنمية في المملكة تهدف إلى تحقيق اقتصاد وطني أكثر تنوعاً وتطوراً، كما ترمي إلى زيادة دور القطاع الخاص في جهود التنمية وتفعيل هذا الدور، وهذا بطبيعة الحال يتطلب توسعة نطاق الإحصاء والخدمات الإحصائية كماً وكيفاً وتطوير المعلومات الإحصائية بحيث تغطي مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية واستخدام أحدث التقنيات ووسائل الاتصال وتمكين المستفيدين ومستخدمي البيانات من الحصول على المعلومات الإحصائية بكل يسر وسهولة وبالسرعة والوقت المناسبين.
ماجستير في الإحصاء التربوي
bsbsdndn@yahoo.com