أحسب أن سيدنا علي بن أبي طالب، كرَّم الله وجهه، قد أبدع في قوله «لو كان الفقر رجلاً لقتلته». ولم يشرع حكم القتل أو يدرج في القوانين الوضعية، إلاَّ لتخليص الناس من شر القاتل. والفقر صعب. والمجتمع السوي هو الذي يبحث في أسبابه ويعالج تداعياته. ونحن مكلفون في التفكر في أمور حياتنا، والبحث عن أسباب الخلل فيها، والأخذ بذلك، والعمل على الوصول إلى ما يمكِّننا من العيش بسعادة. علينا أن نعمل لحياتنا وكأننا نعيش أبداً ونعمل لآخرتنا كأننا نموت غداً. علينا أن نعمر الأرض ونغرس الزرع. هذه حكمة الحياة التي فطرنا الله عزَّ وجل عليها، وتحثنا عليها شريعة الإسلام. وفي كل ذلك ما تقوم عليه أبجديات الاقتصاد
والبطالة هي أحد أهم أسباب تراجع إنتاج المجتمع، وهي الطريق الرئيسي للفقر. ونحن، وليس في ذلك غرابة، نعاني من ظاهرة الفقر. وفي أي مجتمع، هناك فئة فقيرة، فالأرزاق بيد الله عزَّ وجل، يرزق من يشاء بغير حساب، ويمسك الرزق عن من يشاء من عباده. ولكننا أُمرنا بالعمل وكسب الرزق. وعلى ولي الأمر، الحكومة، أن ينظم سوق العمل، ويدير الاقتصاد، بما يوفر للرعية أسباب الرزق وفرص العمل. وانحسار فرص العمل سبب رئيسي للبطالة، ناهيك عن العوامل والمؤثرات الاقتصادية الأخرى، وتلك مهمة إدارة الاقتصاد. ومواجهة الفقر تستدعي تعريفاً دقيقاً لتحديد الفئة الفقيرة في المجتمع، ومن ثم دراسة وبحث أسباب وجود هذه الفئة، ومن ثم وضع الحلول، العملية، لمواجهة الفقر. هي مهمة صعبة ولا شك، ولكنها ليست مستحيلة، وتتطلب إستراتيجية علمية، وخطة عملية تتجاوز الطرح النظري الذي لا يقوم على أرض الواقع، وتتجاوز البيروقراطية، وتقفز على التعامل مع هيكل الاقتصاد كأجزاء متناثرة دون أن تراعي تكامل الاقتصاد وفق منظومة تنموية تراعي أولويات المشروعات وتقدم الأهم على المهم. وهكذا حتى يمكن خلق قطاعات إنتاجية تقدم قيمة مضافة للاقتصاد، وفي ذلك خلق لفرص العمل وتوفير لأسباب الرزق، وهو ما يفضي في النهاية إلى مواجهة الفقر وتقليص حجم الفئة الفقيرة في المجتمع. ترى هل تعاملنا مع ظاهرة الفقر في مجتمعنا من هذا المنظور الاقتصادي؟ إننا في ظل ما نعيشه من واقع، وفي ظل الإنفاق الحكومي الكبير الذي نشهده في العديد من المشروعات، نأمل أن نفكر بجدية في مواجهة الفقر في المجتمع، وفي التعامل بمهنية عالية مع الأسباب المؤدية إلى بطالة عدد غير قليل من الشباب السعودي، وفي نوع المشروعات التي يتم تنفيذها وإخضاعها لمعيار القيمة المضافة، ومدى تحقيقها، خلال مراحل التنفيذ أو بعد التنفيذ، لذلك المعيار، وقدرتها على خلق فرص العمل وتيسير أسباب الرزق. هذا لا يعني أن هذه المشروعات، أو بعضها، غير مهم، ولكن علينا أن ننفذ الأهم قبل المهم، وفق معيار يسهم عملياً في توفير فرص العمل ويحد من البطالة، وبالتالي الحد من الفقر. المشروعات التي يجب أن نركز عليها الآن هي التي يمكنها أن تخلق فرص عمل لأبناء الوطن. هذه هي الخطوة الأولى لمواجهة الفقر.