في الأيام الأخيرة، كثف الدكتور عبدالرحمن التويجري، رئيس مجلس هيئة السوق المالية، من ظهوره الإعلامي، وتجاوبه مع دعوات الإعلاميين، في أكثر من مطبوعة سعودية. في الغالب يسبق التركيز الإعلامي التغييرات المؤثرة المُزمع إحداثها في أحد القطاعات، أو ربما كان موجهاً للتعامل مع قضايا الرأي العام التي لا يمكن تركها لاجتهادات الآخرين.
في «نادي الاقتصادية» تحدث الدكتور التويجري بشفافية مطلقة لمجموعة من الإعلاميين المختصين الذين شكلوا فيما بينهم برلماناً اقتصادياً مصغراً تحدثوا فيه نيابة عن كثير من المستثمرين والمهتمين بشؤون السوق المالية. احترافية الدكتور التويجري قابلتها احترافية مماثلة من الإخوة الزملاء والأكاديميين؛ فجاءت النتائج المعلوماتية والفكرية غاية في الأهمية للمختصين، الباحثين، والقراء بشكل عام.
المتمعن في تصريحات الدكتور التويجري يجد فيها الرغبة الجامحة في قيادة السوق نحو العالمية، بخطى سريعة وواثقة، تؤكدها عمليات التطوير التي لم تتوقف منذ توليه الرئاسة. أختلف مع قول الدكتور التويجري إن أسعار أسهم الشركات المطروحة للاكتتاب «معقولة»؛ إذ أعتقد أن علاوات الإصدار ما زالت عند مستوياتها العليا، ولا تتناسب في كثير من الأحيان مع التقييم العادل لأسهم تلك الشركات، وإن أتى التسعير من شركات استثمارية متخصصة؛ فنظام بناء الأوامر ربما احتاج إلى مؤشرات سعرية استرشادية تحدد السقف الأعلى لعلاوة الإصدار المُحتسبة مقارنة بالسعر الاسمي للسهم، بحيث لا تتجاوز علاوة الإصدار في جميع الظروف ما نسبته 100% من سعر السهم الاسمي، وإن كانت مكررات ربحية السهم تقل بكثير عن متوسط مكررات شركات القطاع، أو المكررات المقبولة؛ فالإدراج في السوق المالية يجب أن يمثل الجزء الأهم من علاوة الإصدار (العينية) التي يتحصل عليها ملاك الشركات. يُحسب لهيئة السوق دورها في ضبط شراهة ملاك الشركات تجاه علاوات الإصدار، وإيقافها طرح بعضها حماية للمستثمرين من المبالغة في الأسعار، إلا أن المستثمرين يبحثون عن ضبط أكثر حزماً مما هو عليه الآن.
الإعلان عن رصد تلاعب في بعض الصناديق الاستثمارية، والتأكيد على بذل الجهد لإعادة الثقة لها من جديد أمر في غاية الأهمية؛ فسياسة النفي لم تعد تجدي في بيئة منفتحة قادرة على إيجاد الحقيقة من مصادرها، بعيداً عن المصادر الرسمية. مواجهة الحقيقة وإحداث التغيير يكسبان المستثمرين ثقة أكبر في الجهات الرقابية. وما ذكرناه عام 2006 عن تلاعب بعض الصناديق الاستثمارية أكده معالي الرئيس بشفافيته، وأمانته المسؤولة.
الدكتور التويجري له وعليه، إلا أن ما له خلال سنوات عمله الماضية تجعله المسؤول الأول عن التغييرات الإستراتيجية، والنقلة النوعية التي شهدتها السوق المالية، ودخولها مرحلة النضج، وما صاحبها من تطوير منهجي في أنظمة التداول، الرقابة، اللوائح، تطبيق القانون. ومع كل ذلك تبقى المرحلة الأهم من التطوير وهي مرحلة تحول السوق نحو الاستثمار المؤسسي الضامن للاستقرار وتنمية الثروات، والمشاركة الفعلية في الإنتاجية الداعمة للاقتصاد الوطني، و»الوصول بالسوق السعودية إلى العالمية» التي ينشدها معالي الرئيس.
تركيز هيئة السوق المالية على التطوير، وتوسيع دائرة الخيارات أمام المستثمرين، دفعها نحو إطلاق سوق صناديق المؤشرات المتداولة القادرة عملياً على تحويل العمل الاستثماري في السوق السعودية إلى العمل المؤسسي المنظم. صناديق المؤشرات المتداولة التي تجمع بين مزايا صناديق الاستثمار المشتركة والأسهم، تمثل نقلة نوعية، ومتطورة للسوق السعودية تميزها عن أسواق المنطقة، ستساعد في توفير فرص استثمارية جديدة، منخفضة التكلفة، لصغار المستثمرين، والمستثمر الأجنبي، وستزيد من الخيارات المتاحة، والشفافية، وستساعد في جذب السيولة وتوزيعها.
السوق الثانوية الجديدة أطلقت «صانع السوق» من سجنه، وجعلت منه حقيقة لا يمكن تجاوزها، وإن جاء وفق ترتيبات خاصة بصناديق المؤشرات المتداولة، إلا أن الاعتراف الرسمي بوجوده هو الأهم، وقدرته على القيام بدوره الفاعل في إدارة صناديق المؤشر وضبط وضمان الأداء هو أساس الهدف المأمول. قد يستعجل المراقبون الخير وتستبطئه الهيئة رغبة في إخراجه ضمن منظومة متكاملة تضمن نجاحه، وقدرته على إحداث الفرق في التغيير الإيجابي، وهو ما حدث بالفعل في «صناديق المؤشرات المتداولة»
أجزم بأن جاهزية شركة تداول، وقدرتها على إدارة السوق تقنياً، ساعدتا كثيراً في إطلاق «صناديق المؤشرات المتداولة». «تداول» تعاملت باحترافية مع إطلاق المشروع الجديد، وشكلت مع هيئة السوق المالية تكاملاً حقيقياً لإنجاحه. المحاضرة القيمة التي نظمتها «تداول» حول المشروع الجديد قدمت معلومات متكاملة ودقيقة للإعلاميين، المختصين، وكل من له علاقة بسوق المال. تهيئة السوق والرأي العام أمر غاية في الأهمية، ومن خلاله يمكن تحقيق النجاح، وتثقيف المتداولين، وهو ما نجحت فيه هيئة السوق و»تداول» باحترافية مميزة. أعتقد أن النجاح الأهم ربما ارتبط بتنفيذ المشروع، وقدرة الشركات المالية في تسويقه وإدارته على الشكل الأمثل. الشركات المالية في حاجة إلى خبرات أجنبية ضليعة في «صناديق المؤشرات» لضمان الجودة. انطلاقة الصناديق ستحدد (الانطباع الأول) لدى المستثمرين، وهو ما يفرض التعامل معه بحرفية تضمن ردود الأفعال الإيجابية التي ستشكل (الوقود التسويقي) لتلك الصناديق. كفاءة الأداء ستضمن - بإذن الله - نجاح المشروع الجديد الذي تستحق عليه، هيئة السوق المالية، و»شركة تداول»، الشكر والتقدير.
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM