عندما نلقي نظرة على الحركة الفنية لأسواق الأسهم الأمريكية من مسافة بعيدة نجد أن عمليات خروج عظمى من السوق تجري حاليا، وآخر الإشارات التي تم التقاطها هو أن التدفقات النقدية طويلة المدى تميل إلى الهبوط أكثر في القراءات الشهرية، وهي تحركات كبار المستثمرين سواء في الأسواق المالية أو الحقيقية؛ حيث السيولة الأجنبية تدير ظهرها لأمريكا الآن، وهي أحد أبرز أسباب زيادة الطلب على الدولار أخيرا أمام الين، وباحتكاك قوي مع الدولار عند نقطة التقاء الزوج مع اتجاه هابط يبلغ من العمر 3 سنوات ومع مضاعفة برنامج الإقراض إلى 20 تريليون ين للبنوك جعلت من الزوج العنيد (الدولار مقابل الين) مكتظا بالمخاطرين خصوصا بعد تدهور أداء العملات الرئيسية الأخرى. واللافت أن كل عملة من العملتين تتربص بالأخرى. ولمزيد من التفصيل دعونا نأخذ جولة اقتصادية نروي خلالها أحداث هذا الأسبوع لنعرف ماذا يدور خلف أهم العملات الأجنبية في العالم:
الدولار الأمريكي
لم يكن هذا الأسبوع حليفا للدولار، بل اتفقت معظم العملات على كبح جماحه، وهو حاليا يفضل ترتيب متوسطاته وإعادة تبويب حساباته في المنطقة من 76 إلى 78 أمام سلة عملاته تمثل منطقة تجمع لمتوسط 100 و200 يوم، وهي بلا شك سند له هذه الأيام. هذا لم يكن سببا كافيا لانتقال المتحوطين إلى الذهب، والسبب يعود إلى أن تصريحات المركزي الصيني وصندوق النقد الدولي بشأن الذهب؛ حيث الأول يتظاهر بعدم رغبته في الشراء، والآخر يعلن نيته في البيع، لكن كلا الأمرين لم يحدثا؛ وبالتالي فضل المتحوطون تأجيل صفقاتهم فيه. أما النفط خصوصا خام نايمكس فتمكّن من زيارة 82.8 دولار للبرميل لسبب واحد هو أن وكالة الطاقة الأمريكية أعلنت ارتفاع مخزوناتها من النفط إلى مليون برميل، أقل من القراءة السابقة؛ ما أعطى الخام لياقة جيدة في التداول. وبصهر هذه المعطيات نصل إلى نتيجة مفادها أن الدولار لم يهجر تماما من المشترين، ولديه المزيد من المفاجآت السعرية، لكن يمكن وصف ما يحدث بالهدنة.
الأرقام الأمريكية تميل إلى المنطقة الحمراء هذا الأسبوع، ومن أهم ما أعلن عنه تراجع التدفقات النقدية طويلة المدى لشهر يناير إلى 19.1 مليار دولار مقارنة بالقراءة السابقة عند 63.3 مليار دولار كدليل هجرة الأموال التي كانت تستثمر في أمريكا خصوصا مع تقليص خسائر كبيرة في أصول العائد المرتفع خصوصا (الأسهم). أما الإنتاج الصناعي في فبراير فنما بشكل محدود بنسبة 0.1 % مقارنة بالشهر السابق 0.9 %، حتى المنازل حديثة الإنشاء في فبراير تراجعت إلى 575 ألف منزل مقارنة بالرقم السابق 591 ألف منزل، والسبب يعود إلى ارتفاع أسعار المنازل أخيرا وعدم هبوطها بشكل يسمح بتجديد مشتريات هذا القطاع، كما أن تصريحات البناء تراجعت لتصبح 612 ألف تصريح بعد أن كانت 621 ألف تصريح تؤكد أن أسعار المنازل الحالية غير مرغوبة للشراء. أما أسعار الواردات فهبطت هي أيضا على المقياس السنوي 11.2 % مقارنة بالمعدل السابق 11.5 %؛ لتراجع الطلب على النفط من قبل أمريكا وارتفاع مخزوناتها منه، ومع تثبيت الفائدة عند 0.25 % تلقى المستثمرون جرعة من الطمأنينة مع انفتاح في شهية المخاطرين ترجم ذلك في تحقيق قمة جديدة لمؤشر (داوجونز) الصناعي.
اليورو مقابل الدولار الأمريكي
تمكَّن من الوصول إلى 1.375، لكن مني ببيوع قوية عقب اجتماع الوزراء بشأن دعم اليونان، لكن مع الهبوط لوحظ أن عزوم البيع بدأت تخف، ويرجح أن يكون المسار الجانبي مصير الزوج من 1.33 إلى 1.38، خصوصا بعد فشله في اختراق خط الاتجاه الهابط عند 1.37.
الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي
أول محاولة جادة للعودة للقناة الهابطة الأخيرة عند 1.53، ولم يستطع، لكنه بادر على الأقل، وسيظل يحاول؛ لأنه إن كانت القناة الهابطة في طريقها للتوسع فلا بد من أن يتغلغل داخل منتصفها حتى يتمكَّن من إيقاع خسائر أكبر تصل إلى مستوى 1.43.
الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني
احتكاك قوي بمستوى 90.55 دون جدوى، والاتجاه الهابط لم يتم اختراقه عند 91.3، وحتى الآن المسار يتحرك بشكل جانبي ويوشك على عكس الاتجاه نحو الصعود، حينها سيكون ذلك حدثا كبيرا يعزز من قيمة الدولار أمام الين قد يعيده إلى نقطة التعادل.
اليورو
أجلت منطقة اليورو قرار إعلان خطة الإنقاذ لوجود خلاف بين الأعضاء حول آلية الدعم، هل سيكون بشكل مباشر أم بطريقة غير مباشرة، ولوحظ أن المركزي الأوروبي لم يتضح دوره فيما يجري، والخلاف كان على أشده من جهة ألمانيا، وكانت الأسواق قد تلقت تصريحات بضخ نحو 25 مليار يورو، لكن إجمالي ديون اليونان تقدر بنحو 272 مليار يورو. ومما زاد من سوء الأحوال النفسية تراجع مؤشر ZEW للثقة إلى مستوى 44,5، هذا عزز من تخلي المستثمرين عن اليورو والابتعاد عن أسواق الأسهم الأوروبية، وشوهد ذلك في السلوك الشرائي المتواضع والمتمثل في شمعة الأسبوع في أغلب مؤشرات أسواق الأسهم الأوروبية.
الجنيه الإسترليني
مؤشر (rightmove) لأسعار المنازل في شهر مارس ينمو بنسبة 0.1 % مقارنة بنمو 3.2 % للشهر السابق، جاء ذلك نتيجة تردي الحالة الاستهلاكية للفرد وثقته بالاقتصاد، كما جاء أخيرا في بعض الأرقام الاقتصادية، كما أن التضخم بأرقامه الأخيرة لم يعطِ انطباعا بأن الطلب سيرتفع في أهم قطاع يسهم في الناتج المحلي، وهو العقاري، أي أن الخبر لم يأتِ بشكل مفاجئ، لكن الأهم والمفاجئ أيضا هو أن طلبات الإعانة في فبراير انخفضت 4.9 % مقارنة بالنسبة السابقة عند 5 %، ومعدل البطالة لم يبرح مكانه عند 7.8 % نتيجة تحسن أداء قطاع الخدمات، هذا ساعد في التأثير إيجابا على مؤشرات أسواق الأسهم البريطانية وساهم في التخلي عن الجنيه وجعله مهملا في مسار مجهول.
الين
ارتفع برنامج الإقراض للقطاع المالي من 10 تريليونات ين إلى 20 تريليون ين المقدمة للبنوك مرهونة بسندات وأوراق تجارية، منها ما هو على المدى القصير، ومنها ما يمتد إلى المدى الطويل. ومع إبقاء أسعار الفائدة عند 0.1 % وزيادة المعروض النقدي تصبح الأصول عالية المخاطر كالأسهم أوفر حظاً في الاستفادة من هذه الأنباء، والضحية العملة اليابانية التي يرجح أن تنخفض قيمتها بشكل كبير وصولا إلى نقطة التعادل مع الدولار الأمريكي، وهذا جيد، ويعطي مساحة جيدة للتصدير. ومن جهة أخرى ظهرت ثقة المستهلك في فبراير مرتفعة إلى مستوى 40، والقراءة السابقة كانت 39.4، أما ثقة الأسر للشهر نفسه فنمت بشكل طفيف إلى 39.8، وهذا يدل على أن المستهلك الفردي والأسري لديه رغبة في الإنفاق أكثر، ولا يشكو من حالة ائتمانية تضيق الخناق على معدلات استهلاكه. وفي المحصلة كان الين الخاسر الأكبر، لكن ذلك لم يترجم سعريا في أسواق العملات حتى الآن، ويبدو أمره محتوما.
(تم إعداد هذا التقرير منتصف جلسة الأسواق اليابانية يوم الخميس الساعة 4 صباحا بتوقيت جرينتش)
تحليل: وليد العبدالهادي / محلل أسواق المال