الجزيرة - عبدالعزيز العنقري
حملت أزمة اليونان المالية تداعيات عدة بالنسبة للاقتصاد الأوروبي، لعل أكثرها وضوحاً هو تراجع سعر العملة الأوروبية اليورو الذي أضحى يواصل هبوطه أمام الدولار الأمريكي.
وهو ما أثار تساؤلات عدة من أهمها: أسباب هذه الأزمة، وتردد القادة الأوروبيين في مساعدة اليونان, وهل هناك دول أخرى في منطقة اليورو ستلحق باليونان, أم أن هناك خللاً في المعايير التي تتحكم في انضمام الدول لمنطقة اليورو؟ وهل يصب كل ذلك في مصلحة الدولار؟ وما انعكاس هذه الأزمة على المملكة ومنطقة الخليج؟
وفي هذا السياق قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالرحمن الحميد في تصريح ل(الجزيرة): إن اليونان ستخرج من أزمتها، ولن يتم التضحية بها؛ لأن ذلك سيؤدي للتضحية باليورو نفسه، فالاتحاد الأوروبي اليوم على المحك، خصوصاً من الناحية الاقتصادية. وأعتقد أنه سيكون هناك حل لهذه الأزمة في وقت قريب فكلما طالت هذه الأزمة كان ذلك باعثاً على زيادة القلق والشك في الاتحاد الأوروبي نفسه.
وعن تأثيرات هذه الأزمة على المملكة ودول الخليج أوضح أستاذ المحاسبة د.الحميد أن هناك انعكاسات ظهرت من خلال ارتفاع الدولار، ونعلم كلما تحسَّن الدولار كان اقتصادنا أفضل, فأسعار البترول يتم تقويمها بالدولار والعملة الأساسية لاحتياطيات منطقتنا هي كذلك الدولار؛ فالدولار من الطبيعي أن يستفيد إذا لم يتم حل أزمة اليونان التي كما نرى تنعكس سلبا على اليورو والتي ستزداد لو تساقطت دول اليورو الواحدة بعد الأخرى.
وعن احتمالية تعرض دول أخرى في منطقة اليورو لما حصل في اليونان، قال الحميد: إن إسبانيا مهددة، حيث من المحتمل أن تتعرض لما تتعرض له اليونان حالياً والأيام القادمة كفيلة بكشف هذه الأوراق والتي قد تجد جهات خارج منطقة اليورو تقف خلفها.
وحول أسباب تردد قادة دول منطقة اليورو في مساعدة اليونان للخروج من أزمتها، قال: توجد عدة أسباب أساسية من ضمنها أن اليونان بعد تكَّشف الحقائق الأخيرة لم تكن مهيأة أساساً للدخول كعضو في منطقة اليورو فهذا الدخول يستلزم شروط معينة، ولولا تلاعب اليونان بسجلاتها المالية؛ ليجعلوا نسبة العجز بالحدود المقبولة عند الاتحاد الأوروبي لما تم قبولهم كعضو سادس عشر في منطقة اليورو.
أضف لذلك أن اليونان هي دولة شرق أوسطية والإنتاجية فيها قليلة، وهذا ما أدى للتردد بمساعدتها، ولكني أجد أنه في النهاية ستتم مساعدتها لسبب رئيس هو إنقاذ اليورو، بمعنى أنه لا مناص من مساعدتها ما دامت عضو في دول منطقة اليورو؛ فهذه الدول تسير كلها في قارب واحد؛ مما يستلزم إنقاذ كل من في القارب إذا دعت الضرورة دون الأخذ بالاعتبار أن كان ضعيفاً أو قوياً، وحتى لو أدى ذلك لتضرر الدول التي تقوم بإنقاذ اليونان.
وعن الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة وهل إفلاس اليونان محاسبي أم اقتصادي قال الحميد: إن اليونان وحسب ما يُشاع قامت بالاتفاق مع بنك جولدمان ساكس الأمريكي للقيام بما يسمى بالطبخة المحاسبية كان هدفها تضليل دول منطقة اليورو للموافقة على انضمام اليونان إليها عبر التلاعب بتخفيض قيمة القروض أو الديون الحقيقية على اليونان أي خفض نسبة الاقتراض للدخل القومي وذلك من خلال استخدام عملية تبادل العملات (السواب).أما إفلاس اليونان الحالي فهو إفلاس بالمفهوم المحاسبي وليس بالمفهوم الاقتصادي.
ولفت الحميد إلى أنه: إذا توفرت الأدلة الكافية عن تورط بنك جولدمان ساكس بإعطائه معلومات خاطئة متعمدة فأعتقد أنه سيتعرض لتبعات القانونية وعقوبات شديدة من الاتحاد الأوروبي من ضمنها إجباره على دفع تعويضات مالية كبيرة. وأضاف: في الآونة الأخيرة أظهرت التحقيقات المتعلقة ببنك ليمان براذرز المنهار أنه كان من الممكن إفلاسه منذ عام 2007 والذي ساعد في تأخير إعلان هذا الإفلاس حتى عام 2008 هو أحد مكاتب المحاسبة والتدقيق الذي قام بتلميع قوائمه المالية من خلال إخفاء بعض الحقائق الأساسية عن طريق تضخيم الأصول وتقليل الخصوم وإدخال الأصول كإيرادات وهذا ما أعطى في ذلك الوقت صورة عن البنك بأنه غير مفلس والحقيقة كانت عكس ذلك. وطبعا هذه القضية لو ثبتت على هذا المكتب فإنها قد تؤدي لإفلاسه تماما كما حصل لآرثر أندرسون وفضيحته في قضية شركة إنرون الأمريكية التي أفلست في عام 2002م.
وعن وجود أي خلل في المعايير والآليات التي تتحكم في انضمام الدول إلى منطقة اليورو كما حدث لليونان, أوضح الحميد أن الخلل جاء نتيجة المعلومات الخاطئة المضللة التي تم تقديمها عن اليونان من قبل أسماء لامعة كجولدمان ساكس، وفي الحقيقة لا يمكن إغفال التأثير النفسي القوي لمثل هذه الأسماء على الدول والأفراد على الأقل في ذلك الوقت، واستطرد الحميد قائلاً: لكن يجب عدم إغفال أن البنك المركزي الأوروبي لديه قصور في السيطرة على مثل هذه المشاكل الموجودة حاليا وعلى رأسها أزمة اليونان.
وأشار الحميد إلى أن هناك حراكاً فكرياً وأكاديمياً ومهنياً كبيراً يهدف إلى حل كثير من المشاكل الموجودة الآن في أنظمة رفع التقارير, وهذا بلا شك يتطلب ضرورة الاتفاق بين الاتحاد الدولي للمحاسبين الدوليين ومعهد المحاسبين القانونيين الأمريكي, وهناك خطة ضخمة لإصدار معايير محاسبية تشارك بها الولايات المتحدة، حيث إن المعايير المحاسبية الأمريكية تعتمد على ما يُعرف ب(ديتيل بيس)، أما المعايير الدولية فتقوم على (بري سبل بيس), وإذا ما اتفقوا على هذا الأمر فإن ذلك سيغير كثيرا من القوائم المالية الموجودة في العالم. وعن أثر هذا الإنفاق المحاسبي على المملكة في حال إتمامه، أوضح الحميد أنه لن يكون هناك أي أثر ملموس لدينا فنموذج الأعمال عندنا بسيط وغير معقد فليس لدينا المشتقات أو الرهن العقاري أو تبادل العملات (السواب) وغيرها من التعقيدات في الأوراق المالية وكل ما لدينا هو الإقراض واستثمارات خارج المملكة بأسلوبها البسيط. وعن استعجال دول منطقة اليورو في طرح اليورو في عام 1999 بدلاً من طرحه في 2010 كما كان مقرراً، قال الحميد: لا أعتقد أنهم استعجلوا في ذلك، فهذا الطرح انعكس إيجاباً على دول منطقة اليورو سياسياً واقتصادياً؛ فعلى سبيل المثال لم يكن الفرنك الفرنسي والعملات الأوروبية الأخرى تستطيع أن تضاهي الدولار الأمريكي أما اليوم فنجد أن اليورو أصبح أقوى منافس للدولار.