الجزيرة- حازم الشرقاوي - عبدالعزيز العنقري - تصوير - التهامي عبد الرحيم
تصاعدت قضية ارتفاع أسعار الحديد بالسوق المحلية بوتيرة عالية حيث تعالت الأصوات المطالبة بتدخل رسمي لوضع حد لهذه الارتفاعات الكبيرة التي طرأت على أسعار حديد التسليح بشكل رئيس مما دعا وزارة التجارة عبر تصريح لوزيرها حذر فيه من تطبيق عقوبات صارمة بحق المخالفين لقواعد السوق، غير أن واقع السوق طرح التساؤل الكبير: لماذا يحدث هذا التباين بين فترة وأخرى بأسعار السلع الأساسية ويأتي الحديد على رأسها ومن هو المسؤول وأين مكمن التقصير الذي يفرز حالة الخلل بالسوق المحلية وكيف تنشأ الأزمة بين ليلة وضحاها؟!
فللحديد وجود كثيرة تعبر عن الواقع الحقيقي لتجارة الحديد في المملكة، فهو سوق محاط بأسوار وأسرار كثيرة أعمدتها تجار من المواطنين ومنتجين محليين ومستوردين ووسطاء وبائعين مقيمين من جنسيات متعددة بعضهم يسيطر على قطاعات بعينها في تجارة الحديد. الوجه الأول للحديد في المملكة هو تجارة «السكراب» التي تضم الحديد والمعادن الأخرى ويقود هذا القطاع جنسيات من شرق آسيا، هذه الفئة وفقاً لما ذكره أحد التجار -رفض ذكر اسمه- لديهم مستودعات في بعض الأحياء وعدد كبير من العمال يقومون بعمليات فرز منتجات «السكراب» من حديد وغيره، ويقومون ببيعه بالطن إلى مصانع الحديد مباشرة، وفق أسعار السوق، فالأسعار تزيد مع ارتفاع سعر طن الحديد النهائي في الأسواق، موضحاً أن تجارة السكراب تدر أرباحاً أكثر من أرباح تجارة الذهب.
وأضاف أن هذه الجنسيات تشكل فيما بينها مساهمات لجمع الأموال، ثم تشتري كميات السكراب، وتعيد فرزه وبيعه، ثم توزع الأرباح بطريقة النسبة والتناسب بين كافة الأفراد المشاركين في المساهمة.
الوجه الثاني: يتعلق ب»الوسطاء» وهم أيضاً من جنسيات متعددة أجنية وعربية يعملون في السوق تحت مظلة أصحاب أعمال، ودورهم يزدهر وقت الأزمات عندما تظهر السوق السوداء للمنتجات والسلع حيث يقومون بدور الوسيط ما بين التاجر الذي لديه مخزون من الحديد والمقاولين ممن ينفذون مشروعات ويحصلون على كميات كبيرة من الحديد.
الوجه الثالث: «تجار الأزمات» (سعوديون ومقيمون)، هذه الفئة تظهر فقط عند ظهور توقعات بارتفاعات قد تحدث في أسعار الحديد فيقوموا بشراء كميات كبيرة من السلع ثم يتم تخزينها في مستودعات تستأجر لفترات زمنية قصيرة، ثم يعاد بيعها مرة أخرى ويحصدون الملايين من الريالات أرباحاً بعد إعلان الأسعار الجديدة للسلعة. الوجه الرابع: «شركات بشقيها الإنتاجي والتجاري» هناك شركات تختلق أزمات في الأسواق عندما تسرب معلومات لبعض التجار والموزعين حول ارتفاعات متوقعة في أسعار بعض مقاسات الحديد التي تحتاجها المشروعات الضخمة التي تنفذ على أرض المملكة، وقد يتم تسريبها إلى وسائل الإعلام وتوظف بصورة تخدمهم في المحصلة النهائية.
الوجه الخامس: «مستوردون» وهم من يبحثون عن موقع في هذا السوق لترويج منتجاتهم والتوضيح بأنهم الأقل سعراً مما تنتجه الشركات الوطنية، ويستخدمون كافة الوسائل والطرق للوصول إلى شركات المقاولات والمكاتب والعقارات المنفذة والمشرفة على تنفيذ الإنشاءات الجديدية.
الوجه السادس: «الخام» للحديد وجه مختلف خارج المملكة فهناك شركات عالمية تنقب في عدد من الدول عن الحديد وتستخرجه، ثم تحدد أسعاره في العالم بأثره دون أية دور للمصانع المنتجة للحديد، فالمواد الخام تتحكم فيه هذه الشركات دون غيرها.
الوجه السابع: «المقاولون» قد يستغرب البعض بأن هناك مقاولين يتحولون وقت أزمات الحديد إلى تجار لهذه السلعة لتحقيق عائد ضخم من فروقات الأسعار، فهم يضخون أموالاً كبيرة في شراء الأطنان الحديدية، ثم بيعها بالأسعار الجديدة التي يحددها السوق بشقيه الأبيض والأسود.
الوجه الثامن: «المضاربون» دورهم يزداد هذه الأيام عندما يسربون معلومات بأن السعر سيستمر في الزيادة بنسبة معينة، لترويج الكميات التي لديهم، ثم يشترون كميات أخرى، ويسربون معلومات جديدة ويعيدون بيعها مرة أخرى وهكذا.
ويعتقد الخبير العقاري الدكتور عبد الله المغلوث أن أزمة الحديد في المملكة مفتعلة، ويقودها مجموعة من المضاربين الذين يروجون ويسربون المعلومات غير الدقيقة حول ارتفاعات محتملة لأسعار الحديد لتحقيق أموال طائلة ثم يختفون عن السوق ويدخولون في مضاربة جديدة، مشيراً إلى سماسرة ووسطاء من مصلحتهم بروز الأزمات في بعض السلع والمنتجات ليكون لهم دور فاعل في الوسط التجاري وتحقيق الربح السريع دون جهد أو وقت. وقال المغلوث: إن الإعلام كان له دور سلبي في أزمة الحديد الأخيرة عندما أبرز تصريحات تجار تتعلق بتوقعات زيادة أسعار الحديد إلى 50%، وتم تناقلها بصورة واضحة وأثرت سلباً على السوق، حيث قام بعض التجار بإخفاء الحديد لتحقيق أرباح وأموال طائلة بعد إعادة بيعه بالأسعار الجديدة.
وحول مبررات المصانع والشركات المتعلقة بالمشروعات الضخمة التي يتم تنفيذها تساءل المغلوث: أليس لدى المصانع والمستوردين علم بالمشروعات التي تنفذ في عام 2010 والتي كانت واضحة من خلال أكبر ميزانية في تاريخ المملكة، ودعا إلى أهمية وجود خطط للشركات والمصانع التي تنتج الحديد في المملكة لمواجهة أية طلب متزايد لهذه السلعة.
السوق مسؤولية من؟
تتعدد المسؤوليات فيما يخص سوق الحديد وتتوزع على الجهات الرسمية وعلى رأسها وزارة التجارة والصناعة بينما يحمل القطاع الخاص باقي المسؤولية وزارة التجارة والصناعة ينصب دورها في مراقبة السوق بشكل أساسي حالياً، ورغم الأخبار الصادرة عنها حول تكليف فرق لمتابعة السوق ومنع التلاعب بالأسعار او المخزون لكنها لم تقم بالدور المطلوب حول مستقبل هذه الصناعة فلا يوجد بالمملكة سوى عدد محدود من المصانع لا يتجاوز إنتاجها مجتمعة 7.2 مليون طن سنوياً يبرز مصنع حديد سابك كأكبرها بإنتاج يصل إلى 5.5 مليون طن أكثر من النصف لحديد التسليح والباقي للأنواع الباقية التي تستخدم بصناعات مختلفة. وتبرز هنا المطالب بضرورة التشجيع على إقامة مصانع كبيرة تسد حاجة السوق السعودي بالسنوات المقبلة حيث يتوقع أن يصل حجم الاستهلاك إلى 36 مليون طن سنوياً خلال الأعوام الثلاثة القادمة بارتفاع يصل إلى 50% عن السنوات الثلاث السابقة مما يعني ضرورة تشجيع الاستثمار بالحديد في المدن الصناعية نحو رفع الطاقة الإنتاجية بالسوق المحلي.
هيئة الاستثمار
عكفت الهيئة خلال السنوات الماضية على رفع التنافسية للمملكة عالمياً وجذب الاستثمار لها، ورغم أنها نجحت في الارتقاء بتصنيف المملكة إلى مراتب متقدمة جداً لكن افتقر الاستثمار بقطاع الحديد لما يحتاجه السوق، فقامت الهيئة بالترخيص لمستثرين أجانب موجودين بالسوق المحلية أصلاً من خلال المؤسسات التي كانوا يعملون بها ليكونوا استثمارات تركزت بمجال التوزيع وإعادة التصنيع خصوصاً للمسطحات الحديدية عوضاً عن جذب كبرى الشركات العالمية للاستثمار محلياً بشكل واسع مما يعني ضرورة التركيز على هذا الجانب مستقبلاً خصوصاً مع التوقعات التي تشير إلى حاجة المملكة لأكثر من مليون وحدة سكنية بخلاف المشروعات الحكومية المطروحة خلال السنوات الخمس القادمة حيث حددت المملكة انفاقها لهذه الأعوام بما يصل إلى 1.5 تريليون ريال مما سيشكل ضغطاً كبيراً على طلب مواد البناء عموماً والحديد خصوصاً.
وزارة الاقتصاد والتخطيط
تضع هذه الوزارة خططاً خمسية لعملية التنمية بالمملكة وتحتوي على احتياج كبير للتوسع بمجال البنى التحتية وكذلك الاحتياجات السكانية. وحتى تتحقق هذه الطموحات بأقل التكاليف لابد من رصد الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني حيث تفتقر الصناعة المحلية لكم الإنتاج الذي يحقق التوازن بين العرض والطلب حتى مع الاستيراد الخارجي. ومع ارتفاع الانفاق الحكومي بشكل كبير كان من المفترض أن تقوم الوزراة بلعب دور المنسق بين الجهات عموماً وأن يكون لديها الدراسات الضرورية عن حجم السوق مستقبلاً ومدى قدرته على تحمل ارتفاع الطلب. ففي هذا العام سيزيد الطلب على الحديد بنسبة تصل إلى 8 بالمائة، فهل تم وضع الخطط المناسبة لتغطية السوق باحتياجه وفقاً لتطورات النمو بالاقتصاد السعودي.
القطاع الخاص تبرز أكبر عيوب القطاع الخاص أنه لم يبحث عن الاستثمار بمناجم الحديد الخام، فقبل عدة سنوات فكرت سابك الاتجاه لموريتانيا التي تعد من أكبر دول العالم باحتياطات الحديد الخام ثم انسحبت من المشروع بينما اتجهت شركات إقليمية للحلول مكانها. ففي الوقت الحالي يلعب استيراد كتل الحديد من الخارج 30% من الإنتاج المحلي البالغ 7.2 مليون طن أي أنه يشكل 2.160 مليون طن وتقول آخر تصريحات سابك بأنه يستحيل استيراد هذه الكتل نظراً لارتفاع سعرها مما يعني توقف لخطوط الإنتاج التي تعتمد على استيراد الكتل الحديدية من الخارج وهذا بدروه سيشكل ضغطاً على الأسعار إذا لم يتم تعويض هذه الكميات بالاستيراد من الخارج ولن تدخل أي طاقات إنتاجية للسوق قبل العام 2012 حيث سيضيف مصنع حديد الراجحي قرابة مليون طن في ذلك العام للسوق المحلي بينما تخطط سابك لأن يصل حجم إنتاجها إلى عشرة ملايين طن العام 2020م علاقة السوق المحلي بالأسواق العالمية ينتج العالم العربي 1.2% من الإنتاج العالمي بطاقة تصل لقرابة 20 مليون طن من الصلب بينما تسيطر دولة مثل الصين على 36 بالمائة وهي أكبر مستهلك عالمي بما يفوق 200 مليون طن تليها روسيا والهند والبرازيل. ويرى في هذا السياق العديد من الخبراء العالميين بأن منطقة الشرق الأوسط وتحديداً الخليج من ثاني أكبر الأسواق بالعالم لبناء مصانع الحديد بحسب رؤية بيتر ماركوس من «ويرلد ستيل داينامكس» ويحث مع غيره من الخبراء على الاستثمار بها نظير مشروعات التنمية التي تتعلق باحتياجات أساسية وليست ترفيهية. ويبلغ استهلاك الفرد السعودي للحديد قرابة 700كلغ بما يفوق الضعفين عن الاستهلاك العالمي الذي يصل إلى 240 كلغ. ولذلك فإن تأثر الأسعار محلياً يكون سريعاً نظراً لقوة الطلب وقلة العرض من المنتجين المحليين وغياب الرقابة الفاعلة التي تمنع التخزين فلم ترتفع أسعار المواد الخام بحسب العديد من النشرات المتخصصة بمجال الصلب أكثر من 5 الى 7 بالمائة بينما بلغ الارتفاع بأسعار قضبان التسليح قرابة 20 بالمائة بالسوق ليصل الطن لأسعار تراوحت بين مختلف المقاسات بين 2200 إلى 2700 ريال للطن. وتتميز الصناعة المحلية بأنها مدعومة بطاقة منخفضة التكاليف ولا يوجد ضرائب حيث تشكل نسبة الطاقة 30% من تكاليف الصناعة محلياً مما يعني ضرورة عدم تأثرها بأي تغيرات دولية.