بجانب ما ينشر أو يذاع في وسائل الإعلام حول أمور الصحة والخدمات الصحية - إن سلباً أو إيجاباً- يدور في المجالس أحاديث عن الأخطاء والمخالفات الطبية أو التمييز في المعاملة ونسمع عن مرضى ابتسم لهم الحظ
ومرضى يندبون حظوظهم، وليس في هذا القول جديد، لكننا تعودنا على أن نطلق على أي قصور من هذا النوع أحكاماً عامة تنتهي بأن ننحى باللائمة على نظام الرعاية الصحية أو الجهات المقدمة للخدمة الصحية، فعلى سبيل المثال يتساءل البعض أين ذهبت المليارات التي اعتمدت لوزارة الصحة أو لغيرها من المؤسسات الصحية عندما لا يتاح سرير شاغر لمريض مصاب، أو يعيب آخرون على النظام تواضع الغرامات والعقوبات المقررة لبعض الأخطاء الطبية الفادحة، ويرون أنها استهتار بحياة المرضى وأنه لابد من مراجعة الأنظمة الصحية جميعها، وهذه تساؤلات ومآخذ لها وزنها واعتبارها خاصة عندما تعبر عن انفعالات أثارتها حوادث طبية مفجعة ولا جدال في أن الجهات الصحية والمسؤولين عنها يحملون الهم ويتحملون المسؤولية عن أي قصور في الخدمات الصحية ولذلك يسعون - ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا وبدرجات متفاوتة من التوفيق- إلى سد الخلل وتحسين الوضع، ليس من خلال إطفاء الحرائق -كما يقال- فحسب بل من خلال جهود أكثر تجذراً وأطول مدى، مثل تطوير الأنظمة وتحديث أساليب العمل ومنهجيته ورسم سياسة صحية أكثر فعالية، وبعض هذه الجهود يتعثر وبعضها ينجح وبعضها تأتي نتائجه متأخرة بعد أن تكون التطلعات قد كبرت والواقع قد تغير، ولكن حتى لو كانت النتائج كلها فورية وأصبح كل شيء في النظام الصحي على أحسن وجه وانقلب النقص إلى تمام، أي لو قامت الجهات الصحية المسؤولة -كمؤسسات- بدورها كاملا فهل يتحقق رضا المستفيدين من الخدمة؟ نعم. إن ذلك ممكن إذا قام الأطباء -وغيرهم طبعاً- بدورهم كاملا كممارسين صحيين مهما كان موقعهم في النظام الصحي. إن رضا المستفيدين غاية يصعب إدراكها بدون مشاركة فعالة من الأطباء -كنموذج للممارسين الصحيين- في ترسيخ مبدأين مرتبطين بقوة لا انفكاك لها وهما: أولا قوة الاعتبار لشخص المريض عند نقطة تقديم الخدمة، وثانياً عمق العلاقة بين الطبيب والمريض.
وهذه مسألة لا ينفرد بها النظام الصحي السعودي ولا الطبيب في المملكة، بل هي مسألة محورية في كل الأنظمة الصحية بالعالم، إن المطلوب من الطبيب من الناحية المهنية أشياء كثيرة، ولكن يأتي في مقدمتها أن يظهر الاهتمام الكافي بشخص المريض وأن يتجنب التمييز بين المرضى لأسباب غير طيبة، وقد يظن أحد أن هذا من تحصيل الحاصل الذي يتوقعه أي مريض من أي طبيب وسوف تكشف الأمثلة القليلة التالية عن مدى صحة هذا التوقع.
المثال الأول: نظام المواعيد والحالة
الغرض من هذا النظام المتبع في الخدمات الصحية هو خدمة المريض بأن يضمن له موعداً لمقابلة الطبيب المختص أو للتنويم، وكذا خدمة الطبيب بتنظيم وقته وعمله فيعلم مسبقا ما الذي ينتظره فيستعد له ويعطي مريضه الوقت الكافي للكشف عليه وتشخيص حالته ومن ثم علاجه، وقد تتراكم المواعيد فتصبح قوائم الانتظار طويلة ومملة وربما مهلكة، ولكننا نعرف أنه قد يوجد فئة من المرضى المحظوظين الذين يتيسر لهم الحصول على موعد قريب عند الأخصائي المرغوب إما بحكم الصلة مع بعض العاملين في المؤسسة الصحية أو بحكم الوجاهة الاجتماعية، كما يوجد على النقيض من ذلك فئة من المرضى المساكين الذين قد يتحولون إلى ضحايا لنظام المواعيد والإحالة، ونضرب أمثلة على ذلك في الحالات التالية:
أ - أن يكون المريض محالاً بسبب مرض مستفحل كالورم الخبيث، فعندئذ لا ينفع الموعد المعطى بعد أسابيع أو شهور حتى لو كان لمراجعة مستشفى تخصصي بل ما جدوى الموعد إذا كان المريض لا يصل إلا بعد فوات الأوان، وشبيه بهذه الحالة أن يطلب من المستشفى قبول حالة طارئة محولة من أحد المستشفيات الطرفية للتنويم أو للعرض على الأخصائي فيبطئ الرد أو قد لا يأتي أو يكون الاعتذار جاهزاً، فالطبيب الذي يحيل المريض قد يفهم الإحالة على أنها تبرئة للذمة قبل أن يتأكد من إمكانية قبولها أو علاجها.
ب - أن يكون الموعد لغرض الكشف عند طبيب اختصاصي محدد، وعندما يحضر المريض في موعده لا يكون الطبيب موجوداً لأي سبب كان، ومن الواضح هنا أنه لم يحصل بين الطبيب وقسم المواعيد أو الاستقبال أي تنسيق، وشبيه بهذه الحالة أن يكون الموعد لغرض التنويم أو الجراحة وعندما يحضر المريض يستقبل بالأسف بتأجيل قبوله إلى موعد لاحق بسبب شغل غرفة العمليات أو السرير المحجوز بحالة إسعافية، وربما يكون الأمر هيناً إذا كانت حالة المريض غير مستعجلة وهو مقيم بنفس المدينة، ولكن ماذا عن القادم من مكان بعيد؟ في مثل تلك الحالات ينتظر المرضى من الأطباء أن يكون لهم دور فاعل في تخليص نظام للمواعيد والإحالة من عيوبه وأن ينظموا سير العمل في المؤسسة التي يعملون بها بحيث يمكن التوفيق بين الظرف الملح للمريض وظروف العمل بالمؤسسة الصحية، وأن يعطي الاعتبار الأول لحالة المريض وفقا للرأي الطبي وليس لخانات جدول المواعيد، والمريض إذا طال به الأمد أو حال دون رؤيته للطبيب حائل يلجأ لقسم الطوارئ أو للعيادة الخاصة حيث يضمن فيهما مقابلة فورية مع الطبيب.
(يتبع)