في رثاء فقيدنا العم عبدالرحمن بن عبدالعزيز الجميح - رحمه الله -
بشراك غرس لا يغيب غمامه
ودعاء ثكلى هدها التسهيد
بشراك عمي الحبيب، وإن كان رحيلك المباغت فجيعة كبرى لنا، بشراك حسن الختام إن شاء الله، رحلت وصُلي عليك في أكرم بيوت الله، ودفنت في أطهر بقاع الأرض، وهذا إن شاء الله من علامات خاتمتك الصالحة، واليوم بشراك عمي، بشائر خاتمتك الصالحة دعاء أرامل وأيتام وثكالى لا نعرفهم ولم نقابلهم، يبكون رحيلك ويدعون لك في ظهر الغيب دعاءً مستجاباً بحول الله ليس بينه وبين الله حجاب.
ضعفاء ومحتاجون، بعضهم ربما لم يقابلوك، بعضهم يعيش في مناطق بعيدة عن مقر إقامتك، لكن أياديك البيضاء الخيرة طالتهم هناك وواستهم وخيرك وبذلك شملهم وفرج كربهم. أسر معدمة شردتهم ظروف الحياة وقسوتها، لملمت شملهم في بيوت وهبتها لهم، ابتغاء مرضاة ربك.
هؤلاء الضعفاء والمحتاجون الذين علمنا بهم، ظهروا بعد رحيلك بدعائهم الخالص لك والمختلط بغصة وأسى على رحيلك. وأجزم ان هناك الكثير من أمثالهم ممن لا نعلم عنهم وأنت تعلم عنهم.
لقد كنت ممن ينفقون ويبذلون سراً ولا تعلم شمالهم عما أنفقت وبذلت يمينهم، وهذا هو الخير والإحسان الذي لا يخالطه ذرة من رياء يبتغي الأجر الموفور عند الله.
بشراك عمي، إنك بإذن الله من الذين قال عنهم الله تعالى ?الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ?. هذا وعد الله للكرام والأخيار والمحسنين ومن أصدق من الله وعداً.
في خضم لوعة فراقك وفجيعة فقدك وصدمة رحيلك المباغت، عزاؤنا فيك بعد الرضا بتدبير الله والتسليم بحكمه، إنك الآن إن شاء الله بجوار ربك من أولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ما أعظمك يا عمي الحبيب، في وجودك وفي رحيلك! ذكرك الحسن وسيرتك العطرة ظلت تؤنسنا في وحشة فراقك.
ما أعظمك يا عمي الحبيب، في وجودك عايشنا منذ طفولتنا محبتك وطيبتك ونبلك وعينا على كريم سجاياك ومحاسن صفاتك وحميمية تواصلك مع الصغير والكبير. شهدنا كيف تجسد إنسانية ونبل العظماء عندما تلين وتحنو وتتواضع للبسيط والخادم والضعيف والمحتاج.
مازلت أذكر حضورك المؤثر في طفولتنا، وكيف أحبك أطفال الأسرة كافة، لأن إنسانيتك وفطرتك السليمة وحسك المرهف ونزعة الخير في أعماقك تدفعك الى الالتفات الرحيم اليهم والإصغاء إليهم بلهفة وحنو ومحادثتهم وغمرهم بدفء المحبة والحنان والاهتمام.
نشأنا ووعينا على شيمك وشمائلك الفاضلة رمزاً للكرم والبذل والسخاء والاريحية.
في هذه اللحظات، وأنا أناجيك أيها الراحل الحبيب، تدور في مخيلتي، ذكريات جميلة تحوي الكثير من القيم والمضامين العميقة والأبعاد الإنسانية، تختزنها ذاكرتي، مرتبطة بك حين كنت تتفضل علي بزيارتك لي عندما كنت أقيم في ألمانيا. تزورني أثناء رحلاتك العملية او الاستجمامية، فتمنحني أسبوعا أو أياماً من وقتك الثمين، تشرفني بزيارتك فتتحدث ونتحاور وننتنزه ونتجول في مدن وريف ألمانيا. كم كنت أستمتع بصحبتك المؤنسة وحديثك الشيق وحنانك المتدفق، وأزهو بك وبرفقتك أتعلم من تجربتك الثرية في الحياة واستخلص العبر والدروس من خبراتك اللامحدودة، والتي لا تبخل بها على جلسائك ومحبيك.
حقاً كم أدين لغربتي الطويلة في ألمانيا والنمسا، إنها منحتني صحبتك ورفقتك وتعاليمك وقيمك ودروسك وخلاصة تجاربك وما أكرمك من ضيف!
واليوم ترحل عن دنيا الفناء الى دنيا البقاء والخلود، ولا أملك إلا الدعاء لك أن يرحمك الله برحمته ومغفرته ورضوانه.
إلهي أتاك ضيفاً فلقه
مقاماً كريماً بالجنان موشحا
اللهم أكرم نزله ووسع مدخله وأكرم مثواه وطيب ثراه، واجعل قبره روضة من رياض الجنة واجمعنا به في الفردوس الأعلى.
ما أعظمك يا عمي الحبيب في رحيلك. لقد أدركت منذ بواكير شبابك
أن المال غاد ورائح
ويبقى من المال الأحاديث والذكر
وقد سرت على نهجك الكريم في عمل الخير والبر، ومساعدة المحتاجين وتفريج كرب المكروبين والشفقة والعطف على المحتاجين والأرامل والمساكين والأيتام، جعل الله لك ذلك من الأعمال الباقيات الصالحات عند ربك. لم تسع للثناء في الدنيا بقدر سعيك للأجر الوفير عند الله، ومن يقدم عملا صالحا يخلد ذكرا حسناً، بشراك عمي وبشرى الأخيار المحسنين أمثالك، إنهم بجوار ربهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون إن شاء الله.
اللهم طيب ثراه وأكرم مثواه، وألهمنا الصبر والاحتساب والرضا بالقدر، وكما ألهمتنا اللهم الشكر عند العطاء، ألهمنا الصبر عند الابتلاء، وألا يحبط جزعنا على رحيله المباغت أجرنا في الاحتساب والصبر.
اللهم اجعل أبناءه من الصابرين الذين وعدهم الله تعالى بقوله: (الملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).
اللهم ألهم رفيقة دربه، الصبر والاحتساب واجعلها اللهم ممن وعدتهم على لسان رسولك الأمين: (ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه، إلا الجنة).
اللهم ارحم فقيدنا عبدالرحمن بن عبدالعزيز الجميح، اللهم ارحمه رحمة واسعة واغفرله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم ارفعه الى أعلى الجنان في مقعد صدق عند مليك مقتدر. اللهم حرم وجهه على النار وأجزه عنا خير ما تجزي به عبادك الصالحين.