جلست الشابة على طرف مقعد أبيها تسأله وتسأله، حتى إذا ما توقفت عند طموحاته، وجدتها مالاً بلا عد، وانتشاراً دون حد، فهو يحلم بثروة كبيرة في بنوك تنتشر حيث يتجه من العالم، وبجاهٍ واسع تلاحقه معه الأضواء, ويركض خلفه المخبرون والمصورون, وبجنات من أشجار تملأ ثمارها الأسواق، وبتجارة تتنوع ترتفع شعاراتها باسمه... وبوسائل اتصال ونقل حديثة سريعة لافتة... كانت تصغي... ولم تتكلم..
في اليوم الذي تلا... عادت إليه وهي تحمل له خطاباً من جهة عملها... يستدعونه لجلسة شاي في أمر سيكون له مفاجأة مفرحة... وضع الخطاب بجواره، ولم ينبث بكلمة، سوى أن قال لها: وما المفرح الذي سيأتيني من قِبلك..؟.. ازدردت مرارتها، ومضت لحجرتها... مرَّ الأسبوع الأول بها، والخطاب لا يزال على حاله فوق منضدة أبيها لم يحركه بمثل ما أنه لم يتحرك صوب عملها... جاءها مساء من أيام الأسبوع الذي تلا يطرق باب حجرتها بعنوة، ففتحت له وقد أفزعها بطرقه، وتمادى يسألها بصوت حاد: ما الذي يريده مدير الدائرة التي تعملين بها، لقد وجدته متصلاً بي لأكثر من مرة، وعندما سألته لِمَ لمْ يجبه: أدار عنها وجهه، ذهب وهو يردد: يحسبني متفرغاً لثرثرته... لحقت به وهي تسأله: أليس من ضمن طموحاتك نجاحي..؟ قال لها: نجاحك لنفسك وليس لي... انتكست على مقعده تنتحب، ألست صفقة من صفقات طموحاتك وأحلامك...؟ ألست الاستثمار الأنجح لك...؟ ألست أخصك وأحمل اسمك...؟
ركلها بقدمه، قال لها: اذهبي بعيداً عني، أنت تذكرينني بأمك، أنتم الخسارات التي أعاقتني عن الطموحات التي حلمت بها... لملمت جروحها... طوت خطواتها عن أديم حجرته، اتجهت لحجرتها، صلَّت لربها، دعت لأمها التي لفظها في ظلمة ليل للشارع... لأنها ولدتها أنثى، ولجدتها التي توفيت قبل شهور تلك التي احتوتها وربتها وعلمتها، وغرست فيها حلم النجاح، غير أنها بسطت بين عينيها عن يمينها حلم أبيها الذي لا يهرم أبدا... وعن يسارها حلمها المتورِّد بها... وعلى قبس ينبض في صدرها لحقت بحلمها وأغلقت الباب دون أبيها، وهي تدعو له فيما تمسك بوثيقتين، الأولى شهادة تفوق في عملها، والأخرى قرار تنصيبها مقعداً مرموقاً في دائرتها... فيما ذهبت تستعد لمقابلة صحفيات على موعد معها في الغد...