الرياض - خاص ب(الجزيرة)
أصبح تطوير الخطاب الدعوي في مفرداته ومعطياته ضرورة ملحة لإيصال هدف ورسالة الدعوة لعموم الناس على اختلاف أفهامهم، وقدراتهم العقلية والذهنية، واختلاف مستوياتهم الثقافية والفكرية.. وبات هذا التطوير في الخطاب الدعوي أمراً واجباً على من يتولون مسؤولية هذه الوظيفة المهمة، وهذا العمل الإسلامي الذي هو وظيفة الأنبياء والمرسلين.
وتبعاً لذلك.. سألت (الجزيرة) عدداً من مديري المكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات، وكل من يحمل همّ الدعوة إلى الله، عن أبرز ملامح الخطاب الدعوي الذي نحتاج إليه في إيصال الدعوة إلى الله إلى كل أحد من الناس، بالنظر إلى التطور التقني الهائل في وسائل الإعلام والاتصال.. فكانت إجاباتهم على النحو التالي:
اختيار الوقت
في البداية، يوضح مدير المكتب بمكة المكرمة الشيخ صالح بن يوسف الزهراني أن أبرز ملامح الخطاب الدعوي المعاصر، وهي الاستدلال الواضح من الكتاب والسنَّة، واختيار العبارات والألفاظ المناسبة، والشفافية الواقعية من المتحدث، واستغلال الأحداث الموجودة في كل وقت وحين، ومعالجة الأمور في وقتها، والاختصار وعدم الإطالة في الحديث للمستمع، فإن قصر الخطبة وتطويل الصلاة دليل على فقه الخطيب، وعدم الانفعال أو التشهير بالأشخاص، واختيار الوقت المناسب للمدعوين.
مداخلة الناس
ويقول مدير المكتب بالدمام الشيخ عبدالواحد بن حمد المزروع: على الدعاة أن يركزوا على ما يعيشه الناس، وأن يبحثوا عن القضايا التي تشغل المجتمع فيتناولونها عبر الطرق الشرعية المقررة، وأن يقوم الدعاة بواجبهم تجاه المحتاج من المسلمين وغيرهم، ولا شك أن أفهام الناس تختلف، بل وانتماءاتهم وربما كان بعضهم ذا هوى، والواجب على الداعية أن يتعاطى مع كل حالة بحسبها، لا أن يعم المستفيدين كلّهم بخطاب واحد يستوي فيه المتعلم والجاهل، والكبير والصغير، بل كل بحسب حاله، وفي الأثر (حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله).. ولذا فإن من الواجب على الداعية مداخلة الناس ومعرفة همومهم وأحوالهم حتى يجد البيئة المناسبة لينطلق وليتقبله من يستمع له، لا أن يتحدث من برج عاجي وبنبرة مخملية لا يفقهها كثير من المستفيدين.
الحكمة في الخطاب
ويشير مدير المكتب بالطائف الشيخ محمد بن إبراهيم الصواط، إلى أنه ينبغي أن يكون إبلاغ الرسالة وتوجيه الخطاب بحسب المتلقي والسامع ليكون قريباً من فهمه وفي متناول إدراكه فلا يخاطب العامة بما يخاطب به المتعلمون ولا يخاطب المتعلمون والمثقفون بما يخاطب به العامة وتلك هي الحكمة التي تُعدُّ إحدى ركائز الدعوة إلى الله {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خيراً كَثِيرًا}.
مراجعة الخطاب
ويؤكد مدير المكتب بمحافظة حوطة بني تميم الشيخ علي بن إبراهيم الرويغ: بأنه لا بد أن يكون الخطاب الدعوي متوافقاً مع أفهام الناس وقدراتهم في الفهم والإدراك، ومراجعة الخطاب الدعوي مظهر من مظاهر الرشد وإمارة من إمارات الوعي، وليس المراد بذلك تحريف الدين وتبديله أو التنازل عن شيء من أحكامه أو تذويب الأحكام الشرعية وتمييعها أو تطويعها للواقع وضغوطه، ومن أبرز ملامح الخطاب الدعوي الضرورية: ترتيب الأولويات والتأصيل الشرعي للمواقف والقضايا، والتفريق بين ما يسوغ فيه الخلاف وما لا يسوغ، والوضوح في الطرح والبعد عن الغموض والتعقيد، ومراعاة الظروف والأحوال خاصة فيما له تأثيرٌ في الأحكام، والصراحة في معالجة المنهج المنحرف والفكر المتطرف بكلمة واضحة وأسلوب جازم، واحترام الرأي الآخر والطرف الآخر أياً كان مذهبه ودينه.
إساءة فهم الخلاف
ويشير مدير المكتب ببقعاء الشيخ دخيل بن عبدالكريم القبلان إلى أنه لا بد أن تكون لغة الخطاب الدعوي سهلة الوصول لفهم المستمع بلا تعقيد أو لبس لتسهل استجابته لها، كما في الأثر عن علي -رضي الله عنه-: «حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يُكذب الله ورسوله»، وهذا يؤكد على الداعية الاهتمام بمعرفة الوسط الذي يباشر فيه الدعوة، وأسلوب تفكيرهم، وأبرز جوانب التقصير عندهم، ليكون طرحه ملائماً نافعاً بإذن الله تعالى.. أيضاً يتجنب الداعية الخوض في مسائل الخلاف بين الفقهاء إلا لطلاب العلم، لأن العامة يسيئون فهم الخلاف، ويظنونه رخصة للعمل بكل الأقوال ولو كان بعضها مرجوحاً أو ضعيفاً، وكذلك يبتعد عن لغة الإقصاء كقوله «فلان علماني» أو»فلان فاسق»، لأن هذا ينفر عن دعوته، حتى ولو كان هؤلاء يستحقون تلك الأوصاف، ولنا في دعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي الذي بال - أجلكم الله- في طائفة المسجد..لنا في ذلك القدوة الحسنة، حتى قال له بكل رفق: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنما هي لذكر الله عزّ وجلّ، وقراءة القرآن» ومن شدة فرح هذه الأعرابي بهذه الحكمة وهذا الرفق، قال: اللهم اغفر لي ومحمداً ولا تغفر معنا أحداً!!
والحديث في صحيح مسلم..
وبالجملة على الداعية أن يقدر المصالح والمفاسد في خطابه الدعوي، ويوازن بينها، قال النووي -رحمه الله- تعليقاً على هذا الحديث: (وفيه ترك بعض الأمور المختارة، والصبر على بعض المفاسد خوفاً من أن تترتب على ذلك مفسدة أعظم منه)، وقال ابن تيمية -رحمه الله-: (فإن الأمر والنهي وإن كان متضمناً تحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأموراً به، بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته، لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة).
الإفادة من الإعلام
ويقول مدير المكتب بمحافظة بدر الشيخ محمد بن معتق الصبحي: ينبغي للخطاب الدعوي المعاصر أن يتميز بالإفادة من وسائل الإعلام والاتصال والتقنيات الحديثة، وباستخدام أسلوب الحوار في الخطاب الدعوي، وإعطاء مساحة أكبر لإبداء الرأي، والتمكن من وسائل وطرق التواصل مع الآخرين.
إقامة المناظرات
ويوضح مدير المكتب بطبرجل الشيخ سويلم بن متروك الشراري أن من أبرز ملامح الخطاب الدعوي المعاصر الاتساع والشمول، حيث تعددت وسائلة وتنوعت لغته وجليت حقيقته واتسعت دائرته، وذلك من خلال المحاور التالية: إقامة المحاضرات والندوات في مختلف المدن بل الدول والدعاية لها، وحضور الأعداد الهائلة للاستماع للخطاب الدعوي وتلقيه، وتوظيف الوسائل المتنوعة مثل النشرات والرسائل والكتب والأشرطة المسموعة والمرئية وغيرها، واستغلال التقنيات الحديثة في عرض الخطاب الدعوي عبر الفضائيات وشبكات الإنترنت بحيث يصل إلى العالم أجمع على اختلاف مللهم وتعدد نحلهم، وتنوع الدعاة وتنوع أساليبهم في الطرح، وتنوع الموضوعات المطروحة في العقائد والأحكام والأخلاق والمعاملات وبيان طبيعة الإسلام وسماحته وموقفه من أصحاب الديانات الأخرى، وإقامة المناظرات ومناقشة الآراء المعادية للإسلام، وكشف زيفها ورد شبهها، وإظهار الصورة الحقيقية للإسلام ورسول الإسلام وأئمته بالحجة والدليل ووقائع التاريخ والسير وشهادات غير المسلمين.
تزوير التاريخ
وبيّن الشراري أن المطلوب في تجديد الخطاب الدعوي، أنه لم تعد الوسائل الحديثة كالقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية مقصورةً على دعاة المسلمين فحسب. بحيث يخاطبون من خلالها العالم، بل أصبحت في متناول كل أحد، ومنبراً يتحدث من خلاله من هب ودب ويعرض كل صاحب ملة ومذهب مذهبه وعقيدته مع الهجوم الكاسح على الإسلام وأهله وتزوير التاريخ وتشويه صورته مما يؤثر على المستمع ويشوش الصورة لديه، بل أصبح كل من أراد أن يتكلم عن الإسلام ممن ينتسبون إليه أن يطرح رأيه وإن كان شاذاً ويحشد له الأدلة والحجج، فيتناغم معه آخرون ممن يتفقون معه في الرأي والهوى دون نظر أو اعتبار لصحة رأيه ومدى موافقته أو مخالفته للشرع، مما يشوش على الناس دينهم ويحدث اضطراباً لدى عامتهم، فكان لزاماً على دعاة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها إدراك حجم الخطورة الناجمة عن مثل ذلك والتصدي لها بما يناسبها ومن أعظم أسباب مواجهة ذلك في نظري الاستجابة لخطاب الله تعالى لهم حينما دعاهم بقوله: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جميعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}، وذلك من خلال إنشاء اتحاد علماء الإسلام ودعاتهم تحت مظلة واحدة فينبذون الفرقة ويترفعون عن النزاعات الجانبية التي أضنتهم وبددت جهودهم وفتحت الباب على مصراعيه لخصوم الإسلام للنيل منه، ووضع برنامج ينطلقون من خلاله في دعوتهم إلى الله تعالى كما قال تعالى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}، وتوزيع الأدوار والمهام كل بحسب تخصصه وإمكاناته وقدراته بحيث يبدع كل في مجاله، وإنشاء قنوات إسلامية تقوم بالدعوة إلى الله تعالى بمختلف اللغات تخاطب جميع الشرائح والأصناف من أصحاب الملل المختلفة أو المذاهب المتعددة، ووضع آلية للإفتاء بحيث لا تترك الفتوى لكل من شاء حتى لا يضطرب الناس في أمور دينهم، فهذا يحلل وهذا يحرم وهذا يوجب وهذا يبيح وهكذا مما ينعكس على المجتمعات الإسلامية قبل غيرهم، وإنشاء المعاهد التدريبية وإعداد الدعاة والدورات المركزة لرفع المستوى الدعوي للدعاة والاتفاق على صيغة الخطاب وما ينبغي ذكره وما ينبغي تجنبه في الطرح كالتعرض للهيئات أو الأشخاص أو الرموز مما لا يخدم الدعوة وإرجاء كل قول لوقته المناسب انطلاقاً من قوله تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل: كيف يلعن والديه يا رسول الله قال: يلعن أبا الرجل فيلعن أباه ويلعن أمه فيلعن أمه»، ووضع آلية للخلاف والمناقشة وإبداء وجهات النظر والرد على المخالف فليس من المناسب أن يظهر المفتي ليفتي بأمر ثم يعقبه آخر لبيان خطأ المفتي والفتوى، بل يكون هناك تنسيق منظم بين المفتي ومن يخالفه ثم إن لزم الأمر لإعادة الفتوى تعاد بطريقة مهذبة لا تشوش على العامة وتفقدهم الثقة بعلمائهم ودعاتهم، ووضع موقع للتصدي للشبة الموجهة للإسلام من أي كان ضمن خطة واعية وأساليب راقية ومتخصصين أكفاء.
شفافية الخطاب
أما مدير المكتب بتمير الشيخ أحمد بن ناصر العبدالله فيؤكد على أهمية أن يكون الخطاب الدعوي المعاصر واضحاً شفافاً، فالناس يحتاجون لهذا الوضوح وتلك الشفافية في عصر يسهل الحصول فيه على الكثير من الإجابات لقضايا تهمهم وتمس حياتهم ولكن من مصادر غير موثوقة، فحري بالدعاة أن يسدوا هذا الجانب، فهذا من أهم واجباتهم.