Al Jazirah NewsPaper Friday  19/03/2010 G Issue 13686
الجمعة 03 ربيع الثاني 1431   العدد  13686
 
أكد أن تباطؤ حركة الإبداع العلمي عند المسلمين بسبب تعلقهم بالفلسفة.. د. محمد السعيدي:
التوازن الفكري مصطلح جديد في تراثنا الثقافي وليس له معنى محدد

 

الرياض -الجزيرة

أكد رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة الأستاذ الدكتور محمد بن إبراهيم بن حسين السعيدي أن أول مقوم من مقومات التوازن الفكري هو امتلاك التصورات الصحيحة عن كل قضية يراد الحكم عليها سلباً أو إيجاباً، والتصور إما أن يكون تصورا أوليا ساذجا كتصور الصور من جبال وأنهار وصحارى، أو تصوراً معقداً وهو تصور المعاني كالحق والصدق والصواب والخطأ وتصور المغيبات كالجن والملائكة، مبيناً أن كل صنف من هذه التصورات يحتاج إلى جهد لامتلاكه يختلف عن الجهد المراد للصنف الآخر, وتأتي مشكلة التوازن الفكري حين يتعامل الذهن مع التصورات المعقدة بالطريقة نفسها التي يتعامل بها مع التصورات الساذجة، فيبذل في كليهما مجهودا ذهنيا متساويا، عند ذلك ستكون تصوراته في الأمور المركبة تصورات ساذجة.

وقال الدكتور السعيدي في محاضرة له بعنوان: (مقومات التوازن الفكري)، التي استضافها د . عبدالعزيز العٌمري صاحب (منتدى العُمري) في مقره بحي الفلاح بالرياض: إن التوازن الفكري مصطلح جديد في تراثنا الثقافي، وإن الذين استخدموه مضافا إلى الفكر لم يقصدوا به معنى واحدا, فمنهم من يستخدمه كوصف إيجابي لعملية التفكير التي تؤدي إلى نتائج صحيحة، فهو عنده مرادف تقريبا لاستعمال المنطق في التفكير وذلك عن طريق البحث عن مقدمات صحيحة للوصول إلى نتائج صحيحة، ومنهم من يريد بهذا المصطلح المعطيات العلمية التي تبنى عليها الأفكار الصحيحة، ومنهم يريد به الفكر المتوسط بين طرفي النقيض أو بين الإفراط والتفريط فهو عند هؤلاء مرادف للوسطية، ومنهم من يعني بالتوازن الفكري:الفكر الذي هو عليه فأفكاره متوازنة وأفكار غيره مختلة، وهؤلاء طائفة غير قليلة ليس في فكرنا العربي المعاصر وحسب بل في الفكر والرأي العام العالميين.

وتحدث المحاضر عن مصادر التصورات ذاكرا منها (الحس)، حيث إنه مصدر مقر من مصادر التصور، والتصورات الناشئة عن الحس هي أقوى التصورات على الإطلاق ولذلك كان استخدام القرآن الكريم للتصورات الحسية كثيرا في كمقدمات صغرى وكبرى للوصول إلى نتائج عقلية كما في قوله تعالى من سورة الغاشية: {أََفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الابِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}، و(الفطرة)، وهي وإن كانت التصورات المنبعثة عنها أقل بكثير مما ينتج عن المصادر الأخرى إلا أنها تدل على أعظم مدلول وهو الله كما تدل على نسبة الخلق إليه سبحانه وتعالى ونفي الشريك عنه فهي تدل على الله تعالى تصورا وتصديقا.

واضاف قائلا: ومن المصادر(الوحي) وهو مصدر يكاد يكون وحيدا لتصورات مفردات عالم الغيب كالملائكة، والجن والشياطين والجنة والنار والحوض والصراط ونعيم القبر وعذابه وبذلك يكون مصدرا وحيد أيضاً لما يتعلق بها من تصديقات، وهو أيضا مصدر وحيد لتصور مفردات الدين كالصلاة والصوم والزكاة والحج وهو أيضاً مصر وحيد للتصديقات الناشئة عن نسبتها إلى بعضها، ومن تلك المصادر أيضاً (الخبر الموثوق) وهو مصدر صحيح للتصورات شريطة أن يكون الموثوق منطلقا في نقله عن أحد مصادر التصور الصحية المتقدمة، ومن الطبيعي أن نسأل عن العقل: أليس هو أيضا مصدرا من مصادر التصورات؟، والجواب: قد يتبادر إلى الذهن أن التصور هو عملية عقلية صرفة وهذا حق لكن التصورات موجودة.

وأبان المحاضر أن من أسباب الاضطراب الفكري اعتبار العقل مصدرا للتصورات حيث نجد أن هناك فئة تقيم تصديقاتها على تصورات مصدرها العقل والحقيقة أن كل تصور مصدره العقل: ليس له وجود خارجي حقيقي فهو إما متخيل وإما موهوم، مضيفاً أن الطرق الصحيحة لإحداث النسبة بين التصورات هي (العقل) لأنه يمثل المجهود الذهني البشري الصرف.

وقال: إن الأخطاء في نسبة التصورات إلى بعضها قد تكون لقصور في التصور, أو لاستنتاجات كلية أو أغلبية من مقدمات جزئية، وكذلك استنتاجات جزئية بناء على مقدمات كلية أو أغلبية مشيراً إلى إن من الطرق الصحيحة لإحداث النسبة بين التصورات، الوحي المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - بنوعيه، فهما كما يحتويان على أوامر ونواهي إلهية يشتملان أيضا مجموعة كبيرة جدا من التصديقات حسب اصطلاح المناطقة، وهي تقدم للإنسان ما ينبغي أن يعتنقه من رؤى يقينية للكون بعالميه: الغيب والشهادة، وذلك بإعطاء أجوبة ربانية لجميع الأسئلة التي لا تزال عند من لا يملكون إيمانا حقيقيا بالوحي تعبر عن مشكلات بل معضلات فلسفية يسميها بعضهم الميتافيزيقا.

ورأى المحاضر أن تباطؤ حركة الإبداع العلمي عند المسلمين رغم ابتكارهم للمنهج التجريبي كان من تأثير تعلق فلاسفتهم بالفلسفة اليونانية، وانشغالهم بمعالجة قضاياها في غفلة غير مبررة عن الهدي القرآني في حل تلك الإشكالات، بينما كان لتأثر آباء النهضة الحديثة - ديكارت وكانت - بالإجابات الإسلامية عما وراء الطبيعة دور كبير في تسارع التقدم الأوربي بالإضافة إلى عوامل كثيرة أخرى, منبهاً إلى أنه لا يملك معطيات علمية لتأثر ديكارت وكانت بالفكر الإسلامي سوى ما أجده بينهما وبينه من تقارب في بعض مسائل الألوهية ومصادر المعرفة، مع أنني أضع في الاعتبار كثيرا أن يكون التقارب هو بتأثير من دواعي الفطرة التي أظن أن ديكارت وكانت كانا أول من أدخلاها -أي الفطرة- في الفكر الأوروبي.

ولفت المحاضر إلى أن (الوحي) يقدم منهجاً متكاملاً للحياة يؤسسه على حقيقة أن الإنسان عبد لله اضطرارا ويجب أن يكون عبدالله اختياراً، والاستعباد هنا ليس تحكما إلهيا في الأفعال فقط, بل في الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة التي منها الفكر، فالفكر ينبغي أن يكون محدودا بمساحة ما سكت الشرع عنه، وهذا أيضا ينبغي أن لا يتجاوز الفكر فيه قيود الشرع، مورداً العديد من الأمثلة في مجالات التعليم والإعلام والتنمية والاقتصاد والخدمات والعمل والسياسة والسياحة والعلاقات الدولية والاجتماع والدعوة والفنون وكل ما يتفرع عن هذه العناوين.

واسترسل قائلا إن (الوحي) بنوعية الكتاب والسنة نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخاطبا فيه كل الناس وكل المؤمنين به وكما أنهم يؤمنون به إجمالاً وتفصيلا فإن خطابه تعالى لهم إجمالا وتفصيلا وكما أن كل الأمة مجتمعة مخاطبة بالوحي فإن كل فرد من أفراد الناس مخاطب على حدة بهذا الوحي، والكل مطالب بتدبره وتأمل أوامره ونواهيه ليس ذلك لأحد دون أحد العلماء والعامة على حد سواء وتدبر القرآن لا يكون صحيحاً إلا بقراءته كاملا ورد بعضه إلى بعض وتفسير بعضه ببعض وكذلك السنة عه ؟؟؟؟؟؟ لا يكون تدبرها إلا بر بعضها إلى بعض وإلى القرآن.

وأشار الدكتور السعيدي إلى أن من الأمور التي يتفاضل فها الناس في استنباط الأحكام من مصادر مدى إحاطتهم بهذه العلوم فكلما كانت آلة الإنسان من هذه العلوم أكبر كان أقدر على استنباط الأحكام، لا يصدرون في إبداء الأحكام عن استفراخ للوسع في دراستها كما هو المفترض فيهم، بل يقعون في أحكامهم تحت تأثير أحد أمرين: إما ضغط الواقع أو الخوف من الواقع، وهما مؤثران خطيران جدا على مكانة ما يصدر عنهم من فتاوى وآراء، والحق في هذا السياق أن يكون التأني في فهم الواقع وتقدير حاجاته تقديراً صحيحاً بعيداً عن ضغطه أو الخوف منه هو المرحلة الأولى في إعطاء الحكم فيما يستجد فيه من مسائل، وهذا الأمر- أي فهم - وإن كان الكل يدعيه لكن الشواهد تشير إلى أن الكثير بعيدون عنه.

ورأى المحاضر أن فهم الواقع يحتاج أولا إلى الوعي بتاريخ المجتمع الفكري، ومعرفة حقيقة احتياجات الناس لتسيير شؤون حياتهم ومطالبهم الآنية وآمالهم وطموحاتهم المستقبلية وعدم معرفة ذلك على وجه الحقيقة يمنع من تلبية المستقيم من هذه المطالب، كما يحول دون تصحيح المعوج منها ومعالجة أسباب الاعوجاج، أما تغير الفتوى بتغير الأزمان والأمكنة، فذلك متعلق بالفتاوى التي مستندها العرف والعادة على فيبقى الحظ الأوفر والنصيب الأكمل في استنباط الأحكام إلى النصوص المحكمة كتاباً وسنة وما ينبثق عنها من أدلة كالإجماع والقياس.

وفي هذا الصد، بين الدكتور السعيدي أن مقاصد الشارع لا يجوز اتخاذها دليلا ابتداء، بمعنى أنه لا يجوز للمفتي أن يحكم بإباحة أمر أو تحريمه وليس له سند إلا ظنه أن إباحة هذا الأمر أو تحريمه تلبي مقاصد الشارع من التشريع، وقال: إننا مع قولنا بأن أحكام الله تعالى معللة بالحكمة فإننا لا نقطع بالحكمة إلا إذا كانت منصوصة، أما الحكم المستنبطة فهي مضمونة أو موهومة مستندها التدبر المحض، أي أن مصدر القول بها هو العقل ولا يجوز أن يكون العقل مصدراً للأحكام مطلقاً.

وأكد المحاضر - في ختام محاضرته - أن كل ما يرد على العباد من نوازل لا بد أن نجد في الشرع ما يثبته أو يلغيه، فإننا نسير وفق ما تقدم الحديث عنه من ثبوت شمول الشريعة ربه ينقطع الطريق أيضا أمام من يحاول اتخاذ البراءة الأصلية دليلاً منفصلاً عن النصوص يتيح لهم فرصة الحكم بإباحة ما تزينه لهم الأهواء سعياً وراء عصرنة الدين، مشيراً إلى أن الأصل في الأشياء الإباحة قول مقيد بالمنافع، ولا يصح استخدامه هكذا مطلقا،إذ من الأشياء ما يكون الأصل فيها التحريم لا الإباحة وهي التي تعود بالضرر على النفس والمجتمع، وحين نريد التعرف على المنافع والمضار لا بد أن تكون نصوص الشرع هاديا لنا في معرفة كنه الأشياء، وبأن ما يعود بالنفع على دين العبد ويعود بالضرر على دنياه لا وجود له مطلقا، وإن توهمه العبد فليس حقيقة في نفس الأمر.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد